أكد الكاتب والأديب سعد الرفاعي أن مشاركة المرأة في المجال الثقافي بشكل عام عرضة للانتقاد. وأشار إلى أن الحرص على وجود تمثيل للمرأة في المشهد الثقافي أدى إلى استغلال ذلك من بعضهن ممن لا تمت للعمل الأدبي والثقافي بصلة. وقال الرفاعي في حوار ل «الحياة» إن الجرأة أحد أسباب العدد الكبير من الروايات، لافتاً إلى أنها الروايات التي اعتقد أصحابها أن الجرأة على الدين أو الجنس أو السياسة سيخلق رواية جيدة من دون إدراك منهم لما تتطلبه الكتابة الروائية. وتطرق إلى عبده خال، معتبراً إياه روائياً تميز برصده للواقعة المجتمعية وبشجاعته في التجريب التكنيكي والتناول الجريء للمسكوت عنه... إلى تفاصيل الحوار: يعتبر سعد الرفاعي واحداً من الكتاب والأدباء المهمومين بمتابعة المشهد الأدبي والثقافي، والذين يتفاعلون مع تمظهراته، كيف تصف هذا المشهد في شكل عام، وما ملاحظاتك عليه؟ - يتميز المشهد الثقافي بحراك فاعل بوجه عام، ويحظى بدعم رسمي كبير من الدولة ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام؛ يدل على ذلك انتظام معرض الكتاب وعودة مؤتمر الأدباء وانعقاد ملتقى المثقفين، إضافة إلى فعاليات ثقافية أخرى لافتة، كالملتقى الدولي لثقافة الطفل... إن كل ما سبق يؤكد الدعم الكبير للحركة الثقافية، فضلاً عما تقدمه الأندية الأدبية. بيد أن مما يؤسف له أن النتائج ليست على مستوى هذا الحراك. إذ لا تزال التوصيات قيد الورق. وكذلك اقتحام المشهد من أناس لا علاقة لهم بالأدب من قريب أو بعيد! هناك من يرى أنك تحاول أن تمسك العصا من المنتصف، وأن سياحتك في المناهج تتيح لك هذه «الوسطية»، ماذا تقول؟ - من حق الآخر أن يرى أو لا يرى.. وعلى رغم شرف العصا في موروثنا إلا أن مصطلح المنتصف يستدعي لديّ البلهوان والراقص والكشاف حامل الأثقال والسياسي! إن الوقوف على المناهج يعني تنوع المعرفة كما يعني الاختيار. والاختيار يعني الحرية. والحرية مسؤولية. والمسؤولية قرار. والقرار إرادة. ومن الإرادة تنبع المحاولة. والمحاولة أولى خطوات الوصول. والوسطية مطلب الإسلام ورؤيته للحياة فهي مطلب كل معتدل. غياب المنهج والارتكان إلى الموهبة والثقافة والخبرة هل يعوض من هذا الغياب؟ ولماذا أحياناً التمسك بالمنهج النقدي أو الفكري يصفه البعض بالمدرسية، أي البعيد عن الإبداع؟ - الارتكان إلى الثقافة والخبرة هو ارتكان إلى منهج. فالمنهج مجموعة من المعارف والخبرات. أما غياب المنهج فيعني العبث هذا على المستوى التنظيري. وأعتقد أن من يطلق وصف «المدرسية» على ما يبدو تمسكاً بالمنهج النقدي لا يقصد به المنهج بقدر ما يقصد به تلك الممارسة التقليدية للمنهج مع النص الإبداعي، من دون أن يمتلك ممارسها تلك الروح أو الموهبة الإبداعية التي تحرره من التنميط والتمدرس، الذي لا يتسق مع الإبداع. فالإبداع سابق للمنهج النقدي ومؤسس له. شاركت في ملتقيات ومناسبات ثقافية وأدبية عدة، كيف ترى الانتقادات التي تطاول هذه الملتقيات والاتهامات التي تواجهها بالشللية والبحث عن الأكاديميين؟ - أولاً: لا بد أن أسجل شكري وتقديري للقائمين على هذه الملتقيات، الذين حرصوا على مد جسور التواصل لي مع المشهد الثقافي بفعالياته المختلفة، من خلال دعوتي للمشاركة بها. أما في ما يخص الملتقيات فقد كانت في مجملها مثمرة، ويكفي أنها أضافت إلى مكتبتنا أسفاراً ومجلدات في مواضيع جديرة بالبحث والتناول، ولك وللقارئ الكريم أن يعلم أن هذه الملتقيات اتجهت إلى تحديد مواضيع ذات صلة بتاريخ المناطق التي تقام فيها هذه الملتقيات، ومنها أدب الرحلة في المدينة، وكذلك ما خصصه نادي القصيم الأدبي من ملتقيات عن شعراء عاشوا على أرضها مثل عنترة بن شداد وامرئ القيس. أو ما خص به نادي الحدود الشمالية درب زبيدة من البحث والتناول. إن للملتقيات قيمة كبيرة في تعارف الباحثين والأدباء والمثقفين وتواصلهم. بل وقد يمتد التواصل إلى العالم العربي كما يفعل ملتقى نادي الباحة الأدبي للرواية، فضلاً عن تعريفهم بما تكتنزه المناطق من آثار ومعالم تستحق التعريف بها، وذلك أحد أدوار الأندية الأدبية. إن الملتقيات والمناسبات الكبرى كالجنادرية وسوق عكاظ هي صناعة حقيقية للثقافة والمثقفين. أما في ما يتعلق بالشللية والبحث عن الأكاديميين، فمن خلال مشاركات متنوعة وجدت التعدد والتنوع في المشاركين والمشاركات. والأكاديميون ممن توجّه لهم الدعوات كغيرهم للمشاركة في المواضيع البحثية العلمية. أما على مستوى الإبداع، فالإبداع وحده كافٍ للحضور؛ فإن وجد المبدع الأكاديمي فهو جمع للحسنيين. وما سبق لا ينفي وجود تجاوزات وسعي لتوجيه بعض الملتقيات ومواضيعها لمصالح شخصية وهي قليلة. لك اهتمام بالرواية في المملكة، هذه الرواية التي أثارت ولا تزال تثير الكثير من التساؤلات، من الحنق تارة والإعجاب تارة أخرى، لكن ألا ترى أن الروايات الجيدة قليلة جداً، حتى على صعيد الأسماء المكرّسة؟ - لكل جدة إغراؤها. والكتابة الروائية حديثة عهد نسبياً على مستوى المشهد الثقافي لدينا. وإذا كانت الجرأة جلية على مستوى الشعر حتى ولو أدى ذلك إلى تجاوز البحر والموسيقى وكل جماليات النص الشعري. فإن الجرأة على الفنون السردية ستكون أكثر جلاء، لأن ورودها - ولو على المستوى الشكلي - ميسر. وهذا أحد أسباب العدد الكبير من الروايات لدينا، وهي الروايات التي اعتقد أصحابها أن الجرأة على الدين أو الجنس أو السياسة ستخلق رواية جيدة، من دون إدراك منهم لما تتطلبه الكتابة الروائية؛ فضلاً عن امتلاك موهبة الكتابة! مَنْ مِنْ الروائيين والروائيات تشعر أنه قدم منجزاً مهماً، ولماذا الرواية النسائية وحدها عرضة للانتقاد والاتهامات؟ - يعد عبده خال من أبرز الروائيين الذين قدموا منجزاً روائياً؛ لا لأنه حصد البوكر - فالبوكر محصلة لإبداعه - وإنما للمغايرة التي تناولتها رواياته سواء على مستوى الكم.. أم الكيف والرصد المميز للواقعة المجتمعية، وشجاعته في التجريب التكنيكي والتناول الجريء للمسكوت عنه عبر حبكة روائية ولغة تتميز برشاقة جملها ذات الحمولات الفلسفية الحياتية المعمقة، التي لا تتيح لك السانحة كي تلتقط أنفاسك قبل أن تدفعك قسراً لتكون مشاركاً في صناعة الحدث. عبر ذاكرة مشتركة أيقظها عبده.أما بالنسبة إلى الرواية النسائية فليست وحدها المعرّضة للانتقادات، وإنما مشاركة المرأة في المجال الثقافي بشكل عام. فقد أدى الحرص على وجود تمثيل للمرأة في المشهد الثقافي إلى استغلال ذلك من بعضهن ممن لا تمت للعمل الأدبي والثقافي بصلة «وأقولها بكل أسف»، هذا فضلاً عن أن الرواية النسائية تتماس مع قيم وقناعات مجتمعية وتضعها على المحك!