كتب أحد الناشطين السوريين على صفحته على «فايسبوك» تعليقاً على اعتبار الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله، المسؤولين السوريين الذين قضوا في تفجير دمشق الأربعاء الفائت، شهداء للمقاومة: «نصرالله يعتقد ان في سورية 20 ألف قتيل و3 شهداء». والحال ان نصرالله في خطاب الأربعاء كان جزءاً من مشهد ايراني حدد له موقعه على نحو حاسم في الأزمة السورية. ذاك ان الخطاب سبقه وأعقبه زخم استثنائي في التصريحات الإيرانية التي أعلنت ان ايران ستكون في قلب الأحداث في سورية. وآخر هذه التصريحات كان للسفير الايراني في بيروت عندما قال: «سورية جزء من منظومة المقاومة ولا يمكن لهذه المنظومة والجبهة ان تتفرج على ما يجري في سورية». هنا يفقد التساؤل الذي طرحه الناشط السوري قيمته. انهم «شهداء المقاومة» في لحظة صارت فيها المقاومة موظفة في مهمة واحدة هي حماية النظام في سورية، كما ان نقاش نصرالله في اعتباره الجيش السوري شوكة في خاصرة اسرائيل وفي الانجازات «الهائلة» التي حققها في بناء منظومة المواجهة، أمر سبق ان ابتذلناه في مناسبات كثيرة. ليس نصرالله وحده من قذفت به العاصفة السورية الى هذا المقدار من انعدام التوازن، فها هي الحكومة العراقية تُقرر مقاضاة السفير السوري المنشق لدى بغداد نواف الفارس بسبب تصريحات قال فيها انه كُلِّف من جانب النظام السوري، أثناء تأديته مهامه الديبلوماسية، تسهيل مهمة تسلل ارهابيين الى العراق لتنفيذ مهمات تفجيرية في مساجد وحسينيات في المدن الشيعية. نعم قررت بغداد مقاضاة السفير المنشق عن النظام الذي كلفه بهذه المهمة، وقررت في الوقت ذاته الاستمرار في العلاقة الودية مع هذا النظام. بهذا المعنى فإن نصرالله يأتي في المرتبة الثانية لجهة انعدام المنطق وتراجع الاكتراث بذكاء مُخَاطبيه. ما كشفه الفارس بدل ان يؤسس لوعي عراقي في الأنظمة المجاورة، ولسعي الى انجاح حركات التغيير فيها، كان فرصة لأن تكشف الحكومة العراقية قرار انخراطها في الموقع الذي حددته لها طهران في الأزمة. فها هو ممثل النظام السوري خلال سنوات المحنة في العراق يكشف عن مهام قام بها لزعزعة الأمن وتسعير الفتنة الطائفية، وإذا بالحكومة تقرر الاستعاضة عن مقاضاة النظام في سورية بمقاضاة موظف صغير لديه، قرر الانشقاق عنه. لكن وبصرف النظر عما يخلفه خلو موقفي الحكومة العراقية و «حزب الله» من الوقائع السورية من مفارقات «ذهنية»، فإن البعد العملاني لهما يشكل انتقالاً استثنائياً في سياق رسم خط الانقسام الطائفي في المنطقة كلها. فالجهد الاستثنائي الذي بذله نصرالله في خطابه الأخير حول مسألة الصراع مع اسرائيل يبدو ضئيلاً اذا قورن بما دفع به الخطاب في مسألة تعميق الجذر المذهبي للأزمة. فاستحضار اسرائيل جزء من عدة العمل التقليدية، وإن كان هذه المرة أقل قيمة ودلالة من أي مرة أخرى. ذاك ان مأزق هذا الخطاب بالدرجة الأولى يتمثل في ان اللحظة العربية الراهنة هي لحظة يقظة مختلفة، نصرالله بدا فيها جزءاً من خطاب النظام القديم. وهذا ناهيك عن الركاكة غير المسبوقة في تقديم المعطيات، كالقول بأن بشار الأسد كان في صدد فتح الجبهات على مصراعيها، وأن الثورة السورية استهدفت هذا الاحتمال، وهو من غير الممكن ان يُقنع أحداً في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنه يُصبح منطقياً فقط اذا أُدرِج في سياق التحصن بالجهل في مواجهة الحقيقة. ولعل استخفاف بغداد بدماء ضحايا الارهاب، عبر تجاوزها جهة مسؤولة عن هدر هذه الدماء، يكشف قدرة هائلة على المغامرة بحياة الناس وبمستقبل المجتمعات على مذبح الخطاب الطائفي. في المقابل، يبدو ان نصرالله في خطابه الأخير قرر الزج بالشيعة في لبنان في أتون صراع، واضح ان الكفة فيه راجحة الى غير الجهة التي قررها نصرالله، هذا قبل ان نتحدث عن المضمون الأخلاقي للصراع. لكن الاندراج في خط الانقسام المذهبي يبقى متفاوتاً في نتائجه على مستقبل الجماعات التي قرر المرشد الايراني زجّها فيه. في العراق تبقى نتائجه في المضمون الأخلاقي والقيمي للتجربة الجديدة، ذاك ان بغداد (الجديدة) التي أُهديت فرصة الخروج من نفق «البعث»، اختارت عباءة الفقيه الإيراني الذي لا يقل جوراً، والذي ألزمها بالمساومة على دماء الضحايا على مذبح الطائفة. اما في لبنان فالمسألة شديدة الارتباط بمستقبل جماعة ثمة من قرر انها رأس حربة الصراع مع اسرائيل، ثم انتقل بها الى صراع آخر محاولاً تسويق فكرة ان الصراع هو ذاته، وها هي اليوم محاصرة من الطرفين. لكن شياطين الخطاب المذهبي لا تقف على جانب واحد من خط الانقسام، فها هو طارق الهاشمي الذي لم يُشهد له في سنوات الإرهاب العراقية موقف حاسم من الإرهاب ومن مُصدريه، انتقل برشاقة غير معهودة به الى تحميل سورية مسؤولية الدم الشيعي المُراق في بغداد! اما فلسطين في خطاب نصرالله، فلا يبدو انها قد تُبلسم شيئاً من الجرح الطائفي. في سورية اليوم 20003 بين قتيل وشهيد. ربما من المفيد لمستقبل المنطقة رد الانقسام الى هذين الرقمين.