قبل 32 عاماً قرر طفل في الثامنة من عمره أن يستعير كاميرا والده الذي يهوى التصوير وجمع كل دمى الشخصيات الخارقة التي يمتلكها، ليقوم فعلاً بتصوير فيلمه الأول على طريقته الخاصة، لكن كرستفور نولن لم يكن يتخيل للحظة أنه بعد أكثر من ثلاثة عقود سينجح من خلال هواية الطفولة في جمع أكثر من 1,2 بليون دولار أميركي، ليصبح أحد أهم عشرة مخرجين في العالم. على رغم ذلك، لا يستطيع نولن إنكار الصعوبات التي عاشها طوال مسيرته الفنية، فإقناع أكبر منتجي هوليوود بدعم مخرج شاب يعاني من عمى الألوان لم يكن المهمة الأسهل، لذلك قرر نولن أن يتحمل بنفسه وبدعم بسيط من الأصدقاء تكاليف إنتاج فيلمه الرسمي الأول «المتابعة»، وهي العملية التي استغرقت عاماً كاملاً، خصوصاً أن طواقم الفيلم كافة كانت تقدم عملها تطوعياً، لذلك لم تستطع الحضور في مقر التصوير سوى ليوم واحد هو الأحد - العطلة الرسمية الأميركية - ما أسهم في تأخر مراحل تصوير وإنتاج الفيلم. لكن كرستفور نولن نجح في إتمام المهمة وإنتاج «المتابعة»، قبل أن يطير بفيلمه إلى هونغ كونغ حيث عرض فيلمه ضمن مهرجانها السينمائي، قبل أن يقف على خشبة المسرح مطالباً الحضور من المنتجين بدعمه بهدف إنتاج فيلمه الثاني، إعجاب الحضور بالفيلم المجرد من الألوان دفعهم لخوض المغامرة ودعم المخرج الشاب لينتج ثاني أفلامه «مومنتو»، الذي يحتل وحتى اليوم المركز ال20 في قائمة الأفلام الأفضل بحسب تصويت المتابعين، على رغم أن الفيلم لم يحقق نجاحاً مادياً ضخماً، خصوصاً أنه صنف ضمن قائمة المنخفضة الكلفة، في ظل غياب الأسماء الفنية البارزة عن أدوار بطولته. «مومنتو» وضع نولن على الطريق الذي بحث عنه طويلاً، لينطلق بفيلمه الثاني «انسومنيا» الذي تولى دور بطولته الممثل الشهير ألبتشينو، ليحقق النجاح المنتظر. بعدها عاد نولن بفيلم «برستيج» الذي أسند بطولته لكريستين بيل في التعاون الأول بينهما، ونجح الفيلم مادياً على رغم أنه لم ينل رضا النقاد، كل هذه الأعمال لم تحقق لنولن طموحه الأكبر، وهو الوقوف خلف كاميرات أحد الأعمال الخيالية الكبيرة، التي أعلن منذ بداية مشواره أنه يرغب يوماً في تولي مسؤولية إخراجها. نولن أوضح طموحاته منذ فيلمه الأول، الذي يهوى فيه البطل شخصية «باتمان» لتحضر عبر صورة مضخمة على باب منزله، أحلام المخرج الشباب تأخرت، إذ رفضت شركات الإنتاج الضخمة التعاون معه في بداياته، لكنها تحققت في العام 2004 بعد أن أسندت له مهمة إخراج ثلاثية ل «باتمان» تولى أيضاً كتابة نصوصها، الثلاثية فتحت له أبواب النجاح على مدى عشرة أعوام، خصوصاً أنه خلال مراحل تصوير الثلاثية أخرج واحداً من أهم أفلامه «الاستلهام» (انسيبشن) الذي حقق نجاحاً مادياً كبيراً دخل على إثره قائمة الأفلام الأكثر دخلاً في العالم. المخرج ابن ال 40 عاماً يقف اليوم على إرث سينمائي عن 11 عاماً وستة أفلام، لينافس به ما حققه آخرون عبر أضعاف المدة وأفلامها، ليصبح من دون شك أحد أكثر الأسماء طلباً في هوليوود، إذ يتولى هذه الأيام إخراج فيلمه المقبل «رجل من فولاذ»، وهو جزء من السلسلة الشهيرة «سوبر مان»، بانتظار نجاح فيلمه الذي يعرض هذه الأيام «عودة فارس الظلام».