الخرطوم - رويترز - نفدت الخيارات امام المحامية إشراقة يوسف، التي تعيش في الخرطوم، مع استمرار ارتفاع اسعار الغذاء في البلاد، فقررت اتخاذ إجراء جذري وهو مقاطعة اللحوم. وخلال اليومين الماضيين جلس اطفالها امام عشاء نباتي نادر لتوفير المال وتضامناً مع احتجاج يتمثل في مقاطعة منظمة للحوم الأغنام والبقر والدجاج وغيرها من انواع اللحوم الأخرى، وهي أصناف أساسية في المطبخ السوداني. وقالت يوسف وهي تقف امام منزلها الكائن في وسط العاصمة: «اللحوم باهظة الثمن لذا فمن اليوم لن نشتري لحوماً. هي ليست صحيّة على كل حال». وتأمل الجمعية السودانية لحماية المستهلك، التي تنظم المقاطعة، ان ينضم كثيرون إلى اشراقة خلال الايام المقبلة ليدفعوا بمطابخهم الى الخط الامامي لحركة جماعية ضد ارتفاع اسعار السلع الاساسية. ويندر تنظيم احتجاجات في السودان. وقمعت قوات الأمن على الفور بضع احتجاجات في الشوارع نُظّمت في وقت سابق من العام الجاري، مستلهمة انتفاضات الربيع العربي. وأفاد «الجهاز المركزي للإحصاء» السوداني بأن اسعار اللحوم ارتفعت أكثر من 41 في المئة خلال آب (أغسطس) الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، على خلفية ارتفاع التضخّم الذي اتهمت الحكومة محتكرين ومخّزنين بالتسبب فيه، بينما يقول منتقدون ان سببه هو سوء الادارة الحكومية. ووصل معدل التضخم الاجمالي الى 21.1 في المئة في الشهر ذاته، مقارنة ب 17.6 في المئة قبل سنة. وقفزت تكلفة زيت الطهي 47.7 في المئة عن العام السابق، وارتفعت اسعار الاسماك التي تُجلب غالبيتها طازجة من النيل بنسبة 33.2 في المئة. وقال رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك ياسر ميرغني عبدالرحمن ان «اللحوم اصبحت باهظة الثمن، على رغم انها تنتج في معظمها محلياً، ولا يوجد ما يبرر ارتفاع أسعارها». وقال وهو يوزع ملصقات للحملة في وسط الخرطوم: «يصل سعر كيلو اللحوم الى 30 جنيهاً سودانياً (11.20 دولار)، او 36 جنيهاً، وكان سعرها العام الماضي 20 جنيهاً». واضاف: «سنواصل الحملة مع منتجات اخرى، كالحليب والخضروات، مثل العدس والطماطم الذي وصل سعره الى 20 جنيهاً للكيلو». وتأتي الاحتجاجات في وقت صعب على نحو خاص بالنسبة إلى الاقتصاد السوداني المثقل بسنوات من الحرب الاهلية وعقوبات اقتصادية اميركية. واعلن جنوب السودان استقلاله في تموز (يوليو) الماضي، آخذاً معه 75 تقريباً من احتياط النفط السوداني، شريان الحياة لاقتصاد البلاد. ووعدت الخرطوم بتعويض الخسارة بالتنقيب عن مزيد من حقول النفط وتعزيز صناعة الذهب الصغيرة وتنويع الزراعة وغيرها من الصناعات بدرجة اكبر. ولم تظهر سوى دلائل ضعيفة على التقدّم لبث الثقة في مستقبل الاقتصاد. وتراجع الجنيه السوداني إلى مستويات منخفضة جديدة امام الدولار في السوق السوداء. وزاد التضخم أكثر من الضعف منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما خفّضت الحكومة قيمة الجنيه للتوافق مع سعر السوق السوداء، ما صعّب اكثر شراء اغذية مستوردة وسلع استهلاكية. وزاد من ارتفاع الاسعار خفض الدعم الحكومي، الذي فُرض في اطار اجراءات تقشّفية عاجلة، عقب خسارة الجنوب. ويتهم بعض المنتقدين الحكومة باهمال قطاع الزراعة وصناعات الثروة الحيوانية خلال سنوات الغناء النفطي في السودان. وقالت عائشة بكر، وهي مديرة مطعم شهير في ضاحية الخرطوم - 2 الراقية: «تذهب غالبية اللحوم إلى التصدير». ودفع تجدد العنف على طول حدود السودان الجديدة، غير المحددة بالضبط مع جنوب السودان، الاسعار صعوداً بسبب اعاقة التبادل التجاري والوصول للأسواق. وفي جنوب كردفان، التي يقاتل فيها الجيش جماعات معارضة مسلحة، قفز التضخّم 35.6 في المئة في آب، مقارنة بنسبة 5.1 في المئة فقط قبل سنة، وفقاً لبيانات «الجهاز المركزي للإحصاء».