ثمة شكوى رائجة في عالم الموسيقى من حدوث انخفاض مستمر في مبيع ألبومات الموسيقى من طريق الأسطوانات المدمجة «سي دي»، مقابل تزايد الحصول على ملفات الموسيقى الرقمية من طريق الإنترنت والشبكات الرقمية، بما فيها مشاركة الجمهور بعضه بعضاً ملفات الموسيقى، وهي ظاهرة تصفها شركات الترفيه بمصطلح «القرصنة» على رغم أنها تسمية تحتاج إلى نقاش، قبل قبولها والتسليم بها. الأدوات والتطبيقات الأرجح أن ثمة عوامل كثيرة تشكّل هذه الظاهرة. ومن المستطاع تمييز 3 عناصر رئيسة على الأقل، هي: الأدوات الإلكترونية الرائجة، التزايد الانفجاري للتطبيقات الرقمية ومخازنها، والميول الرائجة لدى الجمهور. فراهناً، تشهد ثورة المعلوماتية والاتصالات تحوّلاً باتجاه أجهزة تشجع على تداول ملفات الموسيقى عبر الشبكات. ويأتي جهاز «آي بود» في طليعة هذه الأجهزة، بل إنه كان أولها. ويقدّر أن شركة «آبل» باعت قرابة 15 مليون «آي بود» iPod في الفصل الأول من عام 2012، ما رفع مجموع مبيعات هذا الجهاز بتنويعاته كافة، إلى قرابة 300 مليون جهاز! يعتمد عمل «آي بود» بصورة أساسية على ملفات الموسيقى التي يمكن الوصول إليها عبر الشبكات. وللتذكير، لا يضم هذا الجهاز سوّاقة لل «سي دي»، وهو أمر لا يقتصر على هذا الجهاز. إذ ينطبق وصف مشابه على هواتف «آي فون» iPhone التي باعت «آبل» منها قرابة 37 مليوناً في الفصل الأول من 2012، ما رفع مجموع الأجهزة المُباعة من هذا النوع إلى مئة مليون جهاز. ويحصل «آي فون» على الموسيقى من الشبكات، وضمنها مخازن الموسيقى، مع ملاحظة عدم احتوائه على سوّاقة للأقراص المدمجة. وبلغت مبيعات «آبل» من جهاز «آي باد» iPad 15 مليوناً خلال الفصل الأول من العام الحالي، ما رفع مجموع مبيعات هذا الجهاز إلى قرابة سبعين مليوناً. وتكراراً لا يصل «آي باد» الموسيقى إلا عبر الشبكات، ولا يتعامل مع ال «سي دي». تتصل هذه الأرقام بشركة مفردة هي «آبل»، ما يعني أن هذه الأرقام ترتفع (أو تتضاعف) إذا أضيفت إليها منتجات الشركات الأخرى التي تصنع أجهزة مُشابهة لما سبق وصفه. ويقدّر أن 85 من البالغين الأميركيين يملكون أجهزة «إم بي ثري» MP3 التي تحصل على الموسيقى بأساليب متعددة، لكنها لا تُشغّل أسطوانات «سي دي». ويقدّر أن 35 في المئة من مستخدمي الإنترنت عالمياً ينزّلون ملفات موسيقى رقمية من الإنترنت، ما يعتقد أنه ساهم في خفض مبيعات ال «سي دي» بقرابة الخمس. واستطراداً، ثمة تقديرات بأن مبيعات ال «سي دي» تبلغ نصف بليون أسطوانة سنوياً، على رغم الانخفاض المستمر في مبيعاتها منذ عام 2000. وبلغت مبيعات الملفات الرقمية للموسيقى 21 مليوناً في عام 2011. ولم تشكّل الملفات المباعة عبر الشبكات سوى ربع هذا الرقم. تتكامل صورة الأجهزة مع التطوّر في التطبيقات الرقمية. فمع ظهور «آي بود» خصّص صانعوه له مخزناً للموسيقى على الإنترنت، هو «آي تيونز» iTunes. ولاحقاً، صار هذا المخزن جزءاً من مخزن شبكي ضخم هو «آبل آبس» Apple Apps، الذي يضم التطبيقات الرقمية المتصلة بأجهزة «آبل». وهناك 3 ملايين مشترك في مخزن «آي تيونز». ويضم «آبل آبس» ما يزيد على نصف مليون تطبيق رقمي، بينها 175 ألفاً مخصصاً لجهاز «آي باد». وعلى غرار شركة «آبل»، هناك مخازن رقمية لكثير من الشركات، مثل «أوفي ستور» Ovi Store لشركة «نوكيا». لكن الانفجار الفعلي في التطبيقات جاء مع انتشار التطبيقات التي تصنع بتقنية «آندرويد» Android، التي تتشارك فيها شركات تشمل «غوغل» و «سامسونغ» و «إتش تي سي» و «كيندل فاير» و «سوني» وغيرها. ولأخذ فكرة بسيطة عن الانتشار الكبير للتطبيقات الرقمية، التي يحصل عليها الجمهور عبر الشبكات، يكفي القول إن عشية عيد الميلاد في عام 2011، شهدت إنزال قرابة 140 مليون تطبيق! ميول الجمهور الرقمي أمام هذه الأرقام، ربما لا يكون مجازفة القول إن مسار تطوّر الأجهزة والتطبيقات، ساهم في تحفيز ميول معيّنة لدى الجمهور. فمثلاً، يقدّر أن 63 في المئة من جمهور الإنترنت حصلوا على ملفات موسيقى عبر المشاركة مع آخرين، وليس عبر شرائها. وكذلك يفضل 74 في المئة من هذا الجمهور صدور تشريعات تبيح مشاركة ملفات الموسيقى عبر الإنترنت، مع ملاحظة أن 80 في المئة من الجمهور الذي ينزل ملفات موسيقية من هذه الشبكة، يفضلون أن تكون المشاركة قانونية. ومن الناحية الاقتصادية الصرفة، يبلغ حجم سوق الموسيقى الرقمية في أوروبا ما يزيد على 6 بلايين يورو سنوياً، مع ملاحظة أن 33 في المئة من الموسيقى المُباعة كانت على هيئة ملفات رقمية، ما يشير أيضاً إلى أن الأشكال الأخرى للموسيقى، وضمنها ال «سي دي» والكاسيت»، ما زالت هي الأساس في هذه السوق الضخمة. لا داعي للقول إنه يصعب الحصول على أرقام مُشابهة لما ورد أعلاه، في شأن الوضع في الدول العربية. ففي هذه الدول التي تشكل 3.3 في المئة من جمهور الإنترنت، ما زالت الأرقام والإحصاءات الموثوق بها شبه غائبة. [email protected]