رسالة نصية لم تحتوِ أكثر من كلمتين، وصلت إلى هاتف علا النقال من زوجها، لتجد نفسها في المقلب الآخر. «أنت طالق»، قرأتها لتعرف فجأة ان حياتها الزوجية انتهت، فارتمت إلى مكتبها مشدوهة لا تستطيع الحراك والدموع تسيل من عينيها. ولم تنفع كل محاولات زملائها في العمل في تهدئتها وفهم ما أصابها، هي التي لم تخبر في زواجها إلاّ الحب، ولم تلمس في يوم ما يوحي بأن زوجها قد يقدم على عمل مماثل، وكان وعد بينهما بأن يخرجا للسهر ليلاً. غادرت العمل من دون أن تدري إلى أن تتجه، مرّ شريط الذكريات الحلوة مع زوجها أمام ناظريها، ولم تتذكر ما يمكن أن يقوده الى هذا القرار. لم تجد من تلجأ إليه إلاّ شقيقة زوجها وصديقتها من أيام الدراسة التي اتصلت بشقيقها مستفسرة بعد أن رأت صديقتها منهارة. دخل الجميع في نقاش غير مفهوم، قبل أن تسأل علا زوجها الذي بدا كعادته في معاملته الرقيقة: «هل أرسلت لي رسالة اليوم»، فأتت المفاجأة بالرد ان هاتفه النقال لم يكن معه اليوم وكان لدى الفني لتصليحه ولم يستعده إلاّ قبل دقائق قليلة. على رغم ان نسب الطلاق الالكتروني في الاردن ليست مرتفعة بين نسب أنواع الطلاق الاخرى، إلاّ أن الظاهرة آخذة في التنامي والازدياد وتثير هواجس لدى البعض من تعرّض بيوت وأسر للدمار بسبب هذا النواع من الطلاق الذي قد يكون فيه نوع من العبث. وتشير احصاءات غير رسمية الى أن الاردن يشهد سنوياً قرابة 450 حالة طلاق الكتروني معظمها يتم من خلال الاتصالات الخليوية والرسائل القصيرة النصية SMS. غير انه «لا يوجد مبرر لتخوف النساء من أن حياتهن الزوجية أصبحت عرضة للإنهاء من خلال رسالة الكترونية بالخطأ يرسلها زوجها ممازحاً أو مَن يقع «موبايل» زوجها بيده، فالطلاق لا يقع إلاّ إذا كانت النية موجودة لإنهاء العلاقة الزوجية»، بحسب ما يؤكد مفتش المحاكم الشرعية في دائرة قاضي القضاة الاردنية الدكتور واصف البكري. ويقول البكري ان الشريعة الاسلامية لديها القدرة على الاجتهاد ومواكبة تطور الحياة واعطاء احكام في كل قضية، فهي صالحة لكل زمان ومكان، ولهذا يشير الى ان الطلاق الالكتروني عالجته الشريعة وادخلته في باب الطلاق بالكتابة والذي لا يقع إلاّ بالنية. وعلى رغم ان الطلاق الالكتروني مخرج للرجال وملاذ آمن بعيداً من تأثيرات الزوجة «الشرسة» أو المهيمنة التي تتمتع بقوة تفوق قوة الرجل في البيت، إلاّ أنّ مدير عام المحاكم الشرعية في الأردن القاضي عصام عربيات يرى أن هذا الأسلوب في الطلاق يُعَد منافياً للقاعدة الشرعية وهي الحفاظ على قدسية العلاقة الزوجية ف»الزوجة ليست سلعة يستطيع زوجها تطليقها بالطرق الالكترونية عبر رسالة قصيرة أو من طريق الايميل، فهذا انتقاص من كرامة الانسان». ويضيف: «أسر كثيرة تهدمت نتيجة معلومة غير دقيقة، ويبادر الزوج الى ارسال رسالة طلاق الكترونية من دون ان يذهب الى زوجته كما ذهب إليها أول مرة وسعى وارسل الجاهات وعمل الحفلات ودفع النفقات والمصاريف»، ويدعو عربيات الى عدم اللجوء إلى أسلوب الطلاق الالكتروني وأن يتم الطلاق، اذا كان لا بد منه، امام قاضٍ وبحضور الشهود وبعد إعطاء الزوجة جميع الحقوق. أما رئيس «مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث»، الدكتور دياب البداينة، فيرى ان «الإقدام على الطلاق الالكتروني يتيح للرجل حرية اتخاذ القرار بعيداً من ضغوط الأهل والصغار وبقية أفراد الأسرة، بخاصة ان للطلاق مضامين وصم اجتماعي سلبية عند الأنثى وبقية أفراد الأسرة». ويقول البداينة ان ظاهرة الطلاق الالكتروني يجب ان تؤخد ضمن فهم خصائص المجتمع التخيلي، ويبين ان الناس يتفاعلون خيالياً من خلال الانترنت والجوال والايميل، ووسائط الاتصال الالكترونية الحديثة كافة، مشيراً إلى أن التفاعل التخيلي طغى على التفاعل وجهاً لوجه «واصبحت الشبكة الكترونية سوقاً اقتصادية كبيرة، ووصلت خدماتها إلى القضايا الاجتماعية». ويؤكد أن المرأة في المجتمعات التقليدية أصبح بإمكانها التسوق الحر والتفاعل الحر مع الآخرين، ويوضح أن الطلاق الالكتروني تغيير اجتماعي في أنماط القيم والسلوكيات الاجتماعية وأسلوب تأقلم اجتماعي يتماشى مع البنى الاجتماعية ذات الأساس التقني.