تكررت المشادات والاحتكاكات بين أنصار القوى السياسية المختلفة في مجلس الدولة في مصر أمس، خلال نظر محكمة القضاء الإداري دعوى بطلان الجمعية التأسيسية للدستور التي انتخبها البرلمان المنحل لصياغة دستور جديد للبلاد، وكذلك دعوى حل مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) وقرار رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي حل مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) وقرار الرئيس محمد مرسي سحب قرار المشير وإعادة البرلمان، وكذلك دعوى تطالب بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الجيش واحتفظ لنفسه بموجبه بسلطات واسعة على حساب الرئيس المنتخب. وكان مجلس الدولة محور الحدث أمس، إذ ظلت أنظار القوى السياسية معلقة به بانتظار صدور الأحكام في هذه الدعوى، وسط تجمع الآلاف أمامه ظل غالبيتهم يهتفون ضد المجلس العسكري ويطالبون بتطهير القضاء، فيما تجمع آخرون وظلوا يهتفون: «يسقط يسقط حكم المرشد»، في إشارة إلى مرشد «الإخوان المسلمين» محمد بديع، وهؤلاء يؤيدون حلَّ الجمعة التأسيسية للدستور. وعقدت المحكمة جلستها في قاعتين مختلفتين، إذ بدأت في قاعتها المعتادة ولم تتمكن من الاستمرار في نظر الطعون بعد أقل من 10 دقائق ليضطر رئيس المحكمة نائب رئيس مجلس الدولة القاضي عبدالسلام النجار إلى رفع الجلسة ودخول غرفة المداولة بسبب هتافات وتصفيق الحاضرين من أعضاء جماعة «الإخوان» الذين امتلأت بهم القاعة. وبعد قرابة الساعة، دخلت هيئة المحكمة من غرفة مداولة القاعة الأولى واعتلت المنصة في قاعة أخرى من الأبواب الخلفية لتتمكن من استئناف الجلسة وقام بعدها أفراد أمن المجلس بغلق باب هذه القاعة من الداخل لمنع دخول الموجودين خارجها. ودفعت الهتافات التي ترددت خلال الجلسة رئيس المحكمة إلى إلقاء كلمة مقتضبة أكد خلالها أن ما يحدث يؤثر في المحكمة ولا يمكنها من ممارسة عملها في جو طبيعي. وقال النجار إنه «لم يولد حتى الآن من يستطيع التأثير في حكم المحكمة، ولا داعي لكل هذه الفوضى»، وهو ما جعل التصفيق والهتاف يتعالى مرة أخرى على نحو اضطر القاضي إلى رفع الجلسة بعد دقائق من بدايتها. وفي المرة الثانية، بدأت الجلسة بحديث رئيس المحكمة إلى المحامين متسائلاً: «هل يمكن للمحكمة أن تمارس عملها وسط هذه الفوضى وقد رأيتم بأنفسكم ما حدث؟ أين وزارة الداخلية المنوط بها حماية الناس؟ هل أخطأت المحكمة عندما ألغت الضبطية القضائية للمدنيين؟»، في إشارة إلى إلغائه قرار وزير العدل بمنح ضباط الشرطة العسكرية والاستخبارات الحربية سلطة القبض على المدنيين، فيما طرق المتجمهرون خارج القاعة على بابها في شدة في محاولة لفتحه ودخول القاعة. ونظرت المحكمة في الطعون المطالبة بإلغاء قرار المشير طنطاوي الصادر بحل مجلس الشعب. وقال رئيس المحكمة إنها قررت العدول عن قرارها السابق بضم تلك الطعون إلى بعضها البعض وأنها ستنظر كل دعوى على حدة، مبرراً هذا القرار بتنازل مقيمي بعضها عن دعاواهم واستمرار البعض الآخر فيها، وأن القرار سيكون في اختتام الجلسة. ونظرت محكمة القضاء الإداري في أعقاب ذلك في الطعون المقدمة من عضو البرلمان المنحل حمدي الفخراني وآخرين والمطالبة بحل مجلس الشورى استناداً إلى وجود الوضع المماثل لمجلس الشعب، والتمس الفخرانى حجز الدعوى للحكم في أقرب جلسة. ونظرت المحكمة في الطعن المقام من خالد علي المرشح السابق لرئاسة الجمهورية والذي طالب وآخرون بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل الصادر من المجلس العسكري. وقال رئيس المحكمة إن القرار سيصدر في نهاية الجلسة. وبعد ذلك بدأت المحكمة في نظر الطعون المطالبة بحل الجمعية التأسيسية. وقال المستشار النجار إن المحكمة قررت العدول عن قرارها السابق بضم تلك الدعاوى وأنها ستنظر كلاً منها على حدة، مضيفاً أن المحكمة كانت ترغب في سماع المرافعات في تلك الطعون، إلا أن مقيميها لم يبدوا أي دفوع أمام المحكمة واكتفوا بتقديم مذكرات بطلباتهم والتمسوا من المحكمة حجز الدعاوى للحكم. وأثبتت المحكمة تدخل عدد من المحامين منضمين إلى دفاع الحكومة كخصوم لتلك الدعاوى. وقال ممثل الحكومة إن الاستقالات الجماعية التي حدثت من الجمعية التأسيسية كان هدفها التأثير في المحكمة. وطلب محام رد (تنحية) المحكمة بكامل هيئتها، ما أثار غضب عدد من المحامين الذين اعترضوا على طلب الرد، ونشبت مشادات كلامية حادة أجبرت المحكمة على رفع الجلسة مرة أخرى واستكمالها داخل غرفة المداولة، إذ لم يستطع رئيس المحكمة السيطرة على المحامين. وكان آلاف تجمعوا أمام مجلس الدولة وظل غالبيتهم يهتف: «الشعب يريد تطهير القضاء» و «لا لتسييس القضاء». ونشبت مناوشات بين أنصار جماعة «الإخوان» وخصومها الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام مجلس الدولة لرفض أي محاولات «للتأثير في القضاء». في غضون ذلك، وافقت لجنة نظام الحكم المنبثقة من الجمعية التأسيسية للدستور بالإجماع أمس على اقتراح شيخ الأزهر أحمد الطيب بالنص في الدستور على أن «الذات الإلهية مصونة ويحظر المساس بها، وكذا ذوات أنبياء الله وأمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين». وأكدت اللجنة أنها بحثت في هذا الاقتراح الذي أرسل به شيخ الأزهر بعد التوافق مع ممثلي الأزهر على الصياغة، ورأت أنه نص صريح يجب إضافته ضمن المواد الأساسية لشكل الدولة ومقومات المجتمع. واتجهت بعض الآراء في اللجنة إلى اعتبار المادة المقترحة من الأزهر من المواد المكملة للمادة الثانية من الدستور الجديد، لكن في النهاية تم التوافق على إضافتها منفصلة.