«تعيين مسؤول أو إداري، تتبعه إعلانات للتهنئة، إذاً الأمر دخل في دائرة الشبهة»، هكذا صنّفت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) أسلوب تقديم التهاني للمسؤولين عبر الصحف واعتبرته من الشبهات، وذلك من خلال حملة إعلانات أطلقتها أول من أمس تحذّر من التهاني للمسؤول أياً كان. وقالت الهيئة في إعلانها: «أخي المقاول.. أخي المورد.. أخي رجل الأعمال: لتكن تهنئتك للمسؤول في المصالح الحكومية الخدمية التي ترتبط معها بعمل، هي أن تنجز عملك في موعده المحدد بكل إتقان.. لتبتعد عن الشبهات»، فيما وضعت نموذجاً لتهنئة مسؤول بإحدى المناسبات. ويأتي هذا الإعلان امتداداً لإعلانات عدة للهيئة عرضتها من خلال وسائل الإعلام أخيراً، وتناولت هذه الإعلانات التحذير من الرشوة والفساد المالي والإداري والواسطة، وضرورة إنجاز المشاريع التنموية وتنفيذ الطرق بالشكل الأمثل، والحصول على مكافأة العمل الإضافي من دون ممارسته، ومدح بعض المسؤولين والثناء عليهم بغير ما فيهم، معتبرة أن ذلك من أشكال الفساد ولا بد من القضاء عليه. وكانت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ارتكزت على عدد من المحاور، منها أن تعزيز التعاون بين الأجهزة المتخصصة في المملكة من شأنه الإسهام في مكافحة الفساد، وأن الفساد مرتبط في بعض صوره بالنشاطات الإجرامية، إلى جانب التأكيد على أن ظهور بعض الوسائل الجديدة لممارسة الفساد يتطلّب العمل على مراجعتها وتقويمها للعمل على الحدّ منها، فيما أكدت الاستراتيجية أنها تهدف إلى توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية الوطنية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع. وتعمل «نزاهة» على تشخيص مشكلة الفساد في المملكة من خلال تنظيم قاعدة معلومات وطنية، بحيث تشتمل على جميع الوثائق النظامية والإدارية، والبيانات والإحصاءات الدقيقة عن حجم المشكلة، وتحديد أنواعها وأسبابها وآثارها، إضافة إلى إسهام الأجهزة الحكومية المعنية بإعداد إحصاءات وتقارير دورية عن مشكلة الفساد، كما أنها تعمل على دعم وإجراء الدراسات والأبحاث المتعلّقة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد. من جهته، وصف أستاذ الإعلام الدكتور خالد الفرم ما تقوم به الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من نشر إعلانات تحذيرية من الوقوع في الفساد ب «الجهد الجيّد»، مشيراً إلى أن ذلك يسهم في رفع مستوى الوعي المتعلّق بالشعور الرقابي، ودعم خطاب النزاهة والتوعية المجتمعية، إلا أنه اعتبر ذلك لا يأتي ضمن الأولويات التي ينتظر من الهيئة التركيز عليها بشكل أكبر. وقال في حديث إلى «الحياة» أمس: «المجتمع في حاجة إلى مثل هذه الإعلانات التحذيرية، فهي تحمل أهدافاً إيجابية تسهم في نشر ثقافة الرقابة والابتعاد عن حالات الفساد، ولكن مثل هذه الإعلانات ليست ذات أولوية قياساً بأمور أخرى تعتبر أكثر خطورة وتتطلّب التحذير منها والتركيز عليها بشكل أكبر، فالمفترض أن يتم التركيز في ما يخص مكافحة الفساد على الأولويات الرئيسية التي باتت حديث المجالس وغيرها، بحيث تستهدف الهيئة القضاء على محركات الفساد الرئيسية، مثل المحسوبية والمناطقية والإقليمية، واستهداف بعض الشركات الكبرى التي قد تتلاعب بملايين الريالات». وذكر الفرم أن سقف توقعات المجتمع السعودي من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لا يقتصر على التحذير من تهنئة مسؤول، مضيفاً: «التوقعات أعلى بكثير من ذلك، فالمنتظر من الهيئة عمل تقارير فصلية عن مستوى الفساد في المجتمع ودرجته، فهناك تقارير في بعض الدول تحدّد قيمة الفساد المالي ببلايين الدولارات، ونحن ننتظر من الهيئة أن تبيّن حجم الفساد كماً ونوعاً، وأن تضع سقفاً زمنياً يهدف إلى قياس إجراءات استراتيجية النزاهة ومدى نجاحها في الحدّ من الفساد».