هل تضرب جذور في الأرض الخراب؟ سؤال مباغت طرح نفسه من دون طول تفكير خلال حفلة «مشروع ليلى» التي اختتمت مهرجانات بعلبك مساء أول من أمس. أما المصدر المنطقي لذلك السؤال، فلعله نابع من طبيعة الموسيقى التي تؤلفها وتغنيها هذه الفرقة الشبابية منذ ظهرت على الساحة في 2008 ووقفت أمام الجمهور العريض للمرة الأولى في مهرجان جبيل قبل سنتين لتحصد إعجاباً ملحوظاً، خصوصاً لدى مواليد العقد الأخير من القرن العشرين، أي شباب ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية. موسيقى «مشروع ليلى» نموذج صارخ لمعنى الإبداع في زمن البتر الثقافي الذي تخلفه الحروب في المجتمعات ذات الطبيعة الهشة، تلك المجتمعات المعرضة بفعل ضحالة علاقتها بالموروث، وتهافتها على النسخ والتقليد، الى التحول جذرياً في اتجاهات مغايرة لكل التوقعات. طبيعي أن تتفتح مواهب في شتى حقول الفن على إيقاعات ووتائر مستجدة، إلا أن البدء من الصفر عبر استعارات صوتية وإيقاعية، يحيلنا الى التأمل في مسألتي الاستمرارية والترابط العضوي بين الماضي والحاضر، ناهيك باستشراف المستقبل. تتناول أغاني «مشروع ليلى» مسائل راهنة ومعيشة تعكس واقعاً تشكلت عناصره من العولمة والتواصل العصري مع موسيقى الغرب، إضافة الى تأثره بالتخبط الاجتماعي في محيطه. وتحاول الكلمات ذات النسق التعليقي التلقائي، التصدي لتجارب وجدانية جدية: «قوم نحرق المدينة ونعمّر واحدة أشرف/ قوم ننسى هالزمان ونحلم زمن ألطف/ ما زالك بلا شي ما فيك تخسر شي/ وأنا ملّيت من نفسي/ كان بدي غيّر العالم مش عارف كيف العالم غيرني/ كان بدي إحمل السما وهلق أنجق حامل نفسي/ قول إني منيح/ قول إني منيح...»، يؤديها حامد سنو الذي يتمتع بنبرة عالية جداً. أما الموسيقى المواكبة لها، فخليط من الروك المعدني والميلوديا المتكررة يعزفها كمان بارع (هايغ بابازيان) وطبول صادحة (كارل جرجس) وغيتارين (أندري شديد وفراس أبو فخر) مع دعم تشكيلي متنوع من أورغ أميّة ملاعب وإيقاع إبراهيم بدر. ويدخل «مشروع ليلى» في نطاق التجربة المخضرمة الجامعة بين الموسيقى الغربية الرائجة أو «البوب» المنتشر سماعه بين شباب اليوم، وبين «نزقيات» جازية كتلك التي اشتهر بها زياد رحباني. لكن الفارق هنا ان زياد اختار ألا يقطع مع الشرقي في موسيقاه، بما فيها معزوفات الجاز، بينما انصرفت فرقة «مشروع ليلى» إلى أُذُن أخرى تختلط فيها صنوف وملامح الموسيقى الغربية، بكلاسيكيتها وتجريبيتها، وإن بدا أحياناً أن أسلوب نطق الكلمات العربية وأدائها بلسان حامد يجافي مرجعيتها الصوتية، ويصعب فهمه أحياناً ويؤدي الى صعوبة شاقة لفهم ما يقوله وهو يقفز ويلوح بذراعيه كأنه يجهد لإيقاف طاحونة خفية. لكن هذا لا يعني غياب الموهبة عن «مشروع ليلى»، فالعناصر الأولية الممكن أن تساهم في تكوين نقلة موسيقية أكيدة متوافرة لدى أعضاء الفرقة. ولعلهم لا يحتاجون إلا إلى حزم أمرهم على تحقيق توازن ما بين الكلمات واللحن والصوت.