في مشاهد دموية مرعبة روى سكان وناشطون أن أهالي قرية تريمسة في حماة تعرضوا إلى عمليات قتل جماعي، إما ذبحاً أو حرقاً، وذلك بعد دك القرية بالأسلحة الثقيلة ومهاجمتها بطائرات الهليكوبتر والدبابات، مشيرين إلى انه عقب القصف المتواصل، اجتاح القرية رجال ميليشيا موالون للحكومة أو من يطلق عليهم الشبيحة وقتلوا الضحايا الواحد تلو الآخر، وقتل بعض المدنيين أثناء محاولتهم الهرب. وأفاد الناشطون بأن ما لا يقل عن 220 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين قتلوا في المذبحة المروعة. فيما اتهمت السلطات السورية «الإعلام الدموي» و»إرهابيين» بارتكاب المجزرة التي تعد الأسوأ منذ بدء الحركة الاحتجاجية في سورية. وجاء الهجوم فيما دعت المعارضة السورية إلى التظاهر امس تحت شعار «إسقاط أنان، خادم الأسد وإيران»، وذلك بعد أن كثفت المعارضة خلال الأيام الأخيرة انتقاداتها لتحرك الموفد الدولي، متهمة إياه بأنه يؤمن غطاء للنظام. وأفاد ناشطون بأن تظاهرات خرجت في عدد من المناطق منذ صباح امس، مطالبة بوقف مبادرة أنان وإسقاط النظام. وأطلقت القوات النظامية النار على المتظاهرين في دمشق وحلب، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أشار إلى مقتل 56 شخصاً في أعمال عنف في مناطق مختلفة في البلاد. وحول مذبحة تريمسة، قال تقرير لمهمة المراقبة الدولية في سورية إن المراقبين وصفوا الهجوم على القرية بأنه «امتداد لعملية للقوات الجوية السورية». وفي تقرير لبعثة المراقبين وصف بأنه «أولي»، قال المراقبون امس إن «الوضع في محافظة حماة لا يزال مضطرباً للغاية ويصعب التكهن به». وأضاف «القوات الجوية السورية تواصل استهداف المناطق الحضرية المأهولة شمالي مدينة حماة على نطاق واسع». ونشر ناشطون لقطات فيديو لجثث 15 شاباً تخضبت ملابسهم بالدماء، قالوا إنهم من بين أكثر من 200 قتلوا في المذبحة. وأظهرت اللقطات الجثث وقد غطت الدماء وجوه أصحابها أو ملابسهم. وكانت الجثث مسجاة على أغطية فرشت على أرضية خرسانية. وقال صوت في الفيديو بينما كانت الكاميرا تمر على الجثث «شهداء تريمسة 12 تموز (يوليو) 2012». وكان بعض الضحايا مصابين بطلقات في البطن. ولا يمكن التأكد من صحة ما جاء في الفيديو بسبب القيود على السفر والتغطية من سورية. وقال مجلس قيادة الثورة في حماة لرويترز إن قرية تريمسة تعرضت لقصف بأسلحة ثقيلة من القوات السورية ثم اجتاح القرية رجال ميليشيا موالون للحكومة ونفذوا إعدامات ميدانية جماعية بحق المدنيين. وذكر بعض الناشطين أن رواياتهم استندت إلى اتصالات مع سكان تريمسة تمت بهواتف تعمل بالأقمار الصناعية لكنهم فقدوا الاتصال في ساعة مبكرة من صباح أمس. وترددت تقارير عن قيام قوات الأمن بقطع الإنترنت والهواتف قبل أن تقصف وتقتحم القرية امس الأول. وتقول جماعات المعارضة إن ذلك صعب عليها الحصول على أفلام الفيديو التي صورت المشهد وتحميلها. وقال نشطاء إن المذبحة وقعت ليل أول من امس فيما كان مجلس الأمن الدولي يناقش مشروع قرار جديد بشأن سورية. وأشارت تقارير من المعارضة إلى أن مقاتلي الجيش السوري الحر الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد يتمركزون في القرية. وقال مجلس قيادة الثورة في حماة في بيان إن أكثر من 220 شخصاً سقطوا في تريمسة. وهم قتلوا من جراء قصف الدبابات والمروحيات والقصف المدفعي وعمليات الإعدام بلا محاكمة. وقال فادي سامح احد نشطاء المعارضة من تريمسة انه غادر البلدة قبل المذبحة المذكورة لكنه كان على اتصال مع السكان. وأضاف قوله لرويترز «يبدو أن رجال الميليشيا العلويين من القرى المجاورة نزلوا على تريمسة بعد أن انسحب المدافعون عنها من المعارضة وبدأوا قتل الناس. وقد دمرت منازل كاملة واحترقت من جراء القصف». وتابع «كل عائلة في البلدة قتل بعض أفرادها فيما يبدو. ولدينا أسماء الرجال والنساء والأطفال من عائلات لا حصر لها». وقال إن كثيراً من الجثث نقلت إلى مسجد محلي. وقال أحمد وهو ناشط من «اتحاد ثوار حماة» لرويترز «حتى الآن لدينا 20 ضحية مسجلة أسماؤهم و60 جثة في أحد المساجد. وهناك جثث أخرى في الحقول وجثث في القنوات وفي المنازل... يحاول الناس الهرب منذ بدأ القصف وقتلت عائلات بأكملها وهي تحاول الهرب». وكانت رواية مفصلة قدمها نشطاء قبل ظهور الأنباء عن المذبحة قالت إن في السادسة صباحاً (3 بتوقيت جرينتش) يوم الخميس مرت قافلة من 25 مركبة تحمل قوات من الجيش وقوات الأمن وثلاث مصفحات وخمس شاحنات غرباً عبر بلدة محردة واتجهت نحو قرية تريمسة. وقال التقرير الذي نشر على موقع لنشطاء المعارضة إن القوات حاصرت القرية من الجوانب الأربعة وبدأت تطلق النار بعنف وعشوائياً على المنازل فيما حلقت طائرات الهليكوبتر. وبينما وقع الهجوم قطعت الكهرباء وخطوط الهاتف. وأضاف التقرير أن السكان تجمعوا في الشوارع في حالة خوف وذعر ولم يستطيعوا الهرب بسبب الحصار من كل الجوانب. وذكر التقرير أن بعد ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري الحر وقوات الجيش وأن القوات النظامية هاجمت مدرسة القرية ودمرتها تماماً وأصيب كثيرون. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن بين القتلى الذين سقطوا في التريمسة «العشرات من مقاتلي الكتائب الثائرة». وجاء في بيان للمرصد أن «بين الشهداء العشرات من مقاتلي الكتائب الثائرة المقاتلة»، مشيراً إلى أن «شهداء المجزرة سقطوا جراء القصف وخلال الاقتحام والعملية العسكرية التي نفذتها القوات النظامية السورية في بلدة التريمسة». وأشار إلى انه وثق أسماء أربعين قتيلاً حتى الآن، وأن «نحو ثلاثين من الشهداء احترقت جثامينهم بشكل كامل وأن بعض الشهداء قتل بالسلاح الأبيض». وكان المرصد ذكر في وقت سابق أن 150 شخصاً قتلوا في التريمسة. وأكد ناشط سوري لفرانس برس أن غالبية القتلى هم من عناصر «الجيش السوري الحر». وقال جعفر، الناشط في شبكة «شام» الإعلامية المعارضة في اتصال عبر سكايب أن «عدد الشهداء المدنيين لا يتجاوز السبعة بحسب التعداد الذي وصلنا حتى الآن»، مشيراً إلى انهم قتلوا في القصف. وأضاف «بقية الشهداء من الجيش الحر». وروى جعفر أن «رتلاً من الجيش النظامي كان متوجهاً إلى ريف حماه، عندما ضربه الجيش الحر وأخذ غنائم». وأضاف أن الجيش النظامي «هاجم على الأثر الجيش الحر المتمركز في التريمسة بمساعدة القرى العلوية المجاورة، وصمد الجيش الحر قرابة الساعة، قبل أن يتمكن الجيش النظامي من السيطرة على التريمسة وقتل أفراد من الجيش الحر». ويتألف الجيش الحر من جنود منشقين ومقاتلين من المدنيين، وهم مزودون بأسلحة رشاشة ومتوسطة. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن في بيان إن «بلدة التريمسة تعرضت للقصف من القوات النظامية السورية التي حاولت السيطرة على المنطقة، مستخدمة الدبابات والطائرات الحوامة». وأشار عبد الرحمن إلى انه «نظراً إلى الحجم الصغير للبلدة، قد تكون هذه المجزرة الأكبر التي ارتكبها النظام منذ بدء الثورة» أواسط آذار (مارس) 2011. وأبلغ احد قادة مقاتلي المعارضة المسلحة القريب من المنطقة واسمه الحركي أبو محمد، فرانس برس أن الهجوم أدى إلى سقوط «اكثر من 200 قتيل». وبحسب احد الناشطين القاطنين في المنطقة فإن حصيلة القتلى مرتفعة خصوصاً بسبب قصف القوات الحكومية لمسجد في البلدة كان عدد كبير من السكان لجأوا إليه. وقال الناشط أبو غازي في رسالة إلكترونية لفرانس برس إن التريمسة خالية حالياً من سكانها بعد مقتلهم أو هربهم جميعاً. وروى ناشط آخر يطلق على نفسه اسم إبراهيم أن «حوالى ثلاثين آلية للجيش حاصرت البلدة بالكامل. لم يكن هناك أي إمكانية للخروج. أي شخص حاول الهرب عبر الحقول جرى قتله». وأضاف «بعد القصف، دخل الجيش (إلى التريمسة) مع أسلحة خفيفة وتبعهم الشبيحة حاملين سكاكين». في موازاة ذلك، اتهمت دمشق امس «قنوات الإعلام الدموي والمجموعات الإرهابية المسلحة» بارتكاب مجزرة قرية التريمسة. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن «مصدر إعلامي» قوله إن «قنوات الإعلام الدموي بالشراكة مع المجموعات الإرهابية المسلحة، ارتكبت مجزرة بحق أهالي قرية التريمسة في ريف حماة، في محاولة لتأليب الرأي العام ضد سورية وشعبها واستجرار التدخل الخارجي عشية اجتماع لمجلس الأمن الدولي». في موازاة ذلك، قال المرصد السوري في بيان امس «خرجت تظاهرات بعد صلاة الجمعة من أربعة مساجد في حي المزة في مدينة دمشق، وقوات الأمن فرقت إحداها بإطلاق الرصاص». وكانت التظاهرات التي خرجت منذ الصباح في باب سريجة وأحياء القدم والمزة والقابون والميدان وكفرسوسة والعسالي في العاصمة «طالبت بإسقاط النظام ومحاكمة قتلة الشعب السوري ونصرة بلدة التريمسة في ريف حماة التي تعرضت لمجزرة بشعة الخميس». وقال المرصد إن «متظاهرين غاضبين احرقوا مبنى في بلدة حجيرة الواقعة على أطراف دمشق». كما أشار المرصد إلى أن القوات النظامية أطلقت النار لتفريق متظاهرين في حيي السكري والفردوس في مدينة حلب، ووردت معلومات أولية عن إصابة طفل بجروح». في مدينة حماة، أطلقت القوات النظامية قنبلة على تظاهرة في حي الحميدية ما تسبب بوقوع إصابات. وشملت التظاهرات أيضاً مناطق عدة في محافظات درعا وإدلب ودير الزور. وندد المتظاهرون ب «مجزرة» التريمسة. يأتي ذلك فيما انفجرت عبوة ناسفة في سيارة بعد ظهر امس على الطريق الرئيسي لحي المزة في وسط العاصمة السورية أسفرت عن أضرار مادية. وذكرت وكالة سانا أن «مجموعة إرهابية مسلحة» قامت بتفجير السيارة عبر إلصاق عبوة ناسفة فيها. وأوضحت أن السيارة «كانت مركونة إلى جانب الطريق وفي منطقة تشهد حركة مرورية وتم تفجيرها عن بعد». وسمع صوت الانفجار نحو الساعة الثالثة من بعد الظهر (12 تغ) في عدد من أحياء المدينة. وأقام عناصر من رجال الأمن والجيش فور الحادث طوقاً أمنياً في المنطقة التي وقع فيها الانفجار. وأقفل الطريق المؤدي إلى المكان بالسيارات العسكرية لنحو نصف ساعة تم خلالها نقل السيارة وتنظيف مكان الانفجار قبل أن يسمح للسيارات بالعبور. وتسبب الانفجار بتحطيم الواجهات الزجاجية للمحال التجارية الواقعة على الطرف الآخر من الشارع. كما تهدمت بعض نوافذ المبنى المكون من سبعة طوابق.