يُحكى أن زوجة وضعت الطعام لزوجها وأبنائها، وكان من ضمن الطعام الموضوع على المائدة خبز محروق! نظرت الفتاة إلى أبيها لترى أثر غضبه من الخبز المحروق، فنظر إليها وسألها عن يومها الدراسي، فأجابته أنه كان يوماً جميلاً، وانتظرت أن يعلق على الخبز المحروق فلم يفعل، بل شكر والدتها على الطعام الجميل الذي صنعته، وعلى رائحة المنزل الجميلة وعلى حسن ترتيبه. عندما تأهبت للنوم سمعت والدتها تعتذر لزوجها عن الخبز المحروق وسمعته يجيبها: لا تعتذري، أحياناً أحب الخبز محْمراً لدرجة الاحتراق، فأرجوك أن تحضري لي منه مرة أو مرتين في الأسبوع، فأنا أحبه هكذا. قامت الأم لبعض شؤونها، فذهبت الفتاة إلى أبيها وسألته بعد أن قبّلت يديه، هل صحيح يا أبي أنك تحب الخبز محمراً لدرجة الاحتراق؟ فأجابها بعد أن قبّلها على رأسها بحنان: لا يا ابنتي، لا أحبه، ولكن أمك تعبت في تنظيف المنزل وفي طبخ الطعام الجميل الذي تناولانه جميعاً، فلماذا أكسر خاطرها على أمر قد يحدث؟! قليل من الخبز المحترق لن يضر. كلنا نخطئ يا ابنتي، وفي وقت الخطأ يكون كل منا متلهفاً لسماع كلمات تزيل غضبه من نفسه، والقليل منا يفعل ذلك، فلماذا لا أكون أنا البادئ في صنع المودة، وفي تخفيف آثار غضب الآخرين من أنفسهم، في وقت هم في حاجة فعلية إليه. لاحظت الفتاه أن والدتها وضعت اليوم الثاني مائدة الطعام، وكانت حريصة كل الحرص على ألا يكون الخبز محترقاً، ولاحظت أيضاً أن علاقة الأم بزوجها أصبحت أكثر مرونة وأكثر حناناً وحباً. بعد مرور أسبوع سألها الأب أين خبزي المحترق الذي أحبه؟ فأجابته أعلم أنك لا تحب الخبز محترقاً، وأعلم أنك تقدّر جهودي في المنزل، وأعلم أنك لم ترغب في إيذاء مشاعري، وأقدر لك كثيراً أنك لم تخجلني أمام أبنائنا. فقال لها: أنت تفعلين ذلك وأكثر.. كم مرة ابتعت لك فستاناً لم يكن على ذوقك ولبستيه مراراً وتكراراً ورأيتك وسمعتك تفتخرين به أمام والدتك وإخوتك وصديقاتك؟ كم مرة ابتعت لك خضاراً لم تكن جيدة، وسمعتك تمدحين اختياري للطماطم الطرية وأنها ممتازة لصلصة البيتزا.. أنا أيضاً قدرت ذلك وتفهمته على رغم أني لم أعتذر مثلك. كلنا نخطئ، فنحن بشر.. واختيار طماطم سيئة أو فستان بعيد عن الذوق واحتراق عدة أرغفة من الخبز لن يضر أحداً.. فكلنا نعرف أخطائنا ونكتشفها، وتجتاحنا أحياناً مشاعر التقصير وتأنيب الضمير، ونحتاج فعلاً في هذه اللحظات يداً حنونة تربت على ظهورنا، وكلمات جميلة تخفف من آلامنا وشعورنا بالفشل، نحتاج قلوباً تحتوينا، ولا تنتظر أخطاءنا لتنتقدها وتشعرنا بالفشل والإخفاق. [email protected] s_almashhady@