وصفت هذه الرواية بأنها طليعية، ليس لأنها ترصد الوحشية والعنف الكامنين في النفس البشرية، ليس استمتاعاً أو افتتاناً بالسادية شأن ترومان كابوت في رواية «الدم البارد» فهي سادية عضوية لا تنفصل عن التاريخ يرويها شاعر بأسلوب عظيم الجمال والأصالة ويحتكم إلى الذكاء. كثر مدحوا «الطائر المصبوغ» أمثال آرثر ميلر واناييس نن وريتشار كلغر وجون باردلي الذي رأى فيها أنها من أهم الروايات التي صورت جذور الحرب العالمية الثانية، فهي تتجاوز معالجة الأسباب السياسية إلى اختبار الأسباب الاجتماعية للحرب. وتتجلى إنسانية الكاتب وبراعته الأدبية في إغفال قوميات شخصيات الرواية باستثناء ثلاث قوميات هي الألمانية واليهودية والغجرية، وإلا عامت الرواية وأصبحت خالية من القيمة التاريخية. تقود الرواية بتصوير مآلات التمييز العنصري بعين طفل أبكم في الرواية مشاهد «فظيعة» وقساوات وحشية «تجمدك حتى العظم» بحسب قول المسرحي مارك كونيلي. «الطائر المصبوغ» رمز لاضطهاد النوع البشري ضمن النوع ذاته لمن يبدو غير منتم إليه. تسرد الرواية مشاهدات طفل في السادسة من العمر وعلى مدى خمس سنوات. أرسله والده إلى قرية بعيدة في الأسابيع الأولى من الحرب العالمية الثانية لتجنيبه قسوة الحرب وانتقام هتلر بسبب مناهضة أبيه للنازية. توفيت السيدة العجوز مارتا التي أوكل لها الاشراف على الطفل، فهام على وجهه من قرية إلى قرية، ومن مغامرة إلى مغامرة، معانياً من تهمة الانتساب إلى الغجر واليهود بسبب سواد شعره وسحنته. كان يمكن أن تكون الرواية ميلو درامية (فكرة فيلم هندي شائع) لولا القيمة التوثيقية والسياسية والبصرية العالية. بعد موت المربية مارتا ينطلق إلى قرية تالية فتأخذه السيدة أولغا الساحرة التي تعالج الأمراض بالرقى والأعشاب محاولة معالجته من روحه السوداء الشريرة فتقوم مع أهل القرية برميه في النهر للخلاص من شره بعد ربطه بحويصلة لحمية، يجد نفسه في قرية ثالثة مع طحان قاس يسوم زوجته سوء العذاب، فيهرب منه إلى بائع الطيور «لخ» الذي يعشق أمرين هما صيد الطيور وجسد عشيقته لودميلا الغبية المتهمة بمعاشرة كلبها الضخم والتي تتعرض إلى ضرب حتى الموت بسبب غيرة نساء القرية من جمالها. يجد الطفل نفسه في بيت نجار يعتقد أن المطر سيهطل بسبب شعره الأسود، لكن معتقدات النجار بحب الأماكن المهجورة تجعله طعاماً للجرذان، وهكذا يهيم الولد هارباً من الجرذان والكلاب والعصابات المسلحة، ومن الجوع ليعيش فترة أخرى مع المزارع غاربوس الأرمل التي يتسلى بتعذيب الولد بتسليط كلبه يهوذا عليه أو تعليقه في السقف بكلابات ويقضي فترة اقل ألماً مع الفلاح ماكارا وابنه السماني وابنته لوكا التي تقع في حبه، وفترة عابرة في الكنيسة التي تخفق في حمايته من مربيه. اقسى لوحات الرواية القصصية المترادفة والخطية هي مراقبة الولد الهارب بجلده من موت إلى موت وقد بلغ الحادية عشرة من عمره لمشهد هجوم المسلحين «الكلموك» على قرية وقيامهم باغتصاب نسائها وحيواناتها اغتصاباً بشعاً، ثم يجد نفسه مع فوج عسكري روسي وصديقاً لقناص اسمه ميتكا، ثم ينتهي به المصير إلى الميتم مع أطفال وصبيان من عمره وهي اقل لوحات الرواية ألماً وربما لا يخلو من بهجة مفقودة، لتنتهي الرواية وقد عاد أبواه للبحث عنه والعثور عليه وقد بدأ يتعلم النطق، فيعود معهما بعد رحلة «درب آلام» طويلة. ولد ييجي كوشينسكي في بولندا. درس العلوم والتاريخ في الولاياتالمتحدة وتخرج في جامعة كولومبيا وبسبب نجاحاته الأدبية تعرض لخصومات كثيرة. تزوج ماري هايورد وير التي توفيت بسرطان الدماغ بعد ثلاث سنوات من زواجها به. تزوج بعدها من كاترينا فون فراونهوفر الافارية الارستقراطية. توفي منتحراً في عام 1993. آخر كلماته كانت: أنا ذاهب للنوم مدة أطول من المألوف... اسمها الأبدية. نالت روايته جائزة أفضل رواية أجنبية في فرنسا 1970، ونال مؤلفها جوائز أهمها جائزة في الأدب من «المعهد القومي للفنون والآداب « و «الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب» وهو صاحب رواية «الوجود هناك» التي تحولت إلى فيلم عام 1971 يتهكم على شيخوخة الديموقراطية الأميركية ويتنبأ برئيس أميركي أحمق. ودخل المؤلف الموسوعات العالمية حتى المخصصة منها للصغار. الرواية من ترجمة محمود منقذ الهاشمي وإصدار وزارة الثقافة في دمشق.