ما حدث في الأسبوع الماضي أمام مقر المقاطعة في رام الله يفوق التصوُر. مرة جديدة تنحاز السلطة الفلسطينية الى سياسات التفاوض على حساب وعي الشعب وإرادته. ليس مقبولاً بكل المقاييس أن تندفع عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية للتنكيل بالمتظاهرين الفلسطينيين الذين هتفوا مطالبين برفض زيارة شاؤول موفاز للمقاطعة. مشهد الشبان والشابات وهم يتعرضون للضرب المبرح على أيدي رجال الشرطة الفلسطينية مشهد مخز بالمعنيين السياسي والأخلاقي، ولكنه أيضاً مؤشر فادح الخطورة لأولويات السلطة التي لا يزال قادتها يحرصون على إرضاء الآخرين حتى لو تطلّب الأمر إدارة الظهر لشعبهم وجماهيرهم. هل كانت خطوة استقبال موفاز صائبة وضرورية كي تفعل قيادة السلطة للدفاع عنها كل ما فعلت؟ يتساءل الفلسطينيون بمختلف أطيافهم وهم يعرفون ما تعرفه السلطة من أن أكثر من عقدين طويلين من التفاوض مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمتنوعة، لم تنتج سوى الخيبة والمزيد من الاستيطان والتهويد في القدس بخاصة وفي الضفة الغربية عموماً. الفلسطينيون أيها السادة يعرفون جيداً من هو شاؤول موفاز، ولهذا رفضوا وصوله الى رمز سلطتهم المعنوية في المقاطعة، ورفضوا ويرفضون استقباله هناك من رئيس السلطة الفلسطينية وكأن شيئاً لم يكن. هناك دائماً ما هو سياسي يفهمه الفلسطينيون، ولكن هناك دائماً ما هو كرامة الشعب الفلسطيني الذي يستحق من قيادته الاحترام قبل أن نطالب العالم احترام هذه الكرامة. شاهدت بحزن ما جرى وأعترف بأنني أصبت بالذعر: هل هؤلاء من رجال الأمن والشرطة سيدافعون يوماً عن فلسطين وشعبها؟ هل من أجل ضرب وقمع شبان وشابات رام الله يدفع الفلسطينيون من فقرهم وعوزهم رواتب وتكاليف الشرطة والأجهزة الأمنية؟ يتساءل الفلسطينيون اليوم: ماذا ستربح السلطة لو أرضت الإسرائيليين وأغضبت شعبها؟ ليس هذا سؤالاً عاطفياً، لكنه يقع في صلب السياسة، ففي الجانب الآخر لم نسمع يوماً أن حكومة إسرائيلية ما أزعجت ولو واحداً من مواطنيها إكراماً لعيون الفلسطينيين، أو حرصاً على «العملية السياسية» التي كانت القيادات الإسرائيلية المتعاقبة تتعامل معها بقلة اكتراث إن لم نستخدم تعبيراً آخر. ما جرى أمام المقاطعة لا يجوز أن يمر كالعادة فيحال إلى لجان تحقيق تصل وكالعادة أيضاً إلى طريق مسدود ويظلُ الحال كما هو عليه لتعود الممارسة القمعية ذاتها مع أول اختلاف سياسي يلوح في الأفق. فالقوى والفصائل الفلسطينية مدعوّة اليوم للوقوف أمام مسؤولياتها في محاسبة من أخذوا قرار القمع ومن نفذّوه. لا أحد خارج المحاسبة ولا يجوز أن يكون، والفصائل الفلسطينية التي نعرف أنها ليست من أعطى التعليمات تستطيع على الأقل أن تعيد تقويم علاقتها بالسلطة على ضوء ما حدث. ولا يجوز لفصيل أو حزب أن يضع نفسه خارج الحدث، فالكل مسؤول ولو بالصمت أو الاستنكار السلبي. هي وقائع تستدعي تحرُكاً جدّياً وعاجلاً من الجميع وأخص بالذكر قادة الفصائل جميعاً بدءاً من اللجنة المركزية لحركة فتح وقيادة الجبهتين الشعبية والديموقراطية وحزبي الشعب وفدا. على هؤلاء جميعاً أن يجبروا قيادة السلطة على الإقرار بفداحة ما حدث أولاً، ثم بالمحاسبة عليه، وإلا فليكن التحالف الوطني في مجمله أمام استحقاقات مغايرة لا توفر التغطية لمن مارسوا القمع ولا للقمع ذاته. محزن حقاً ما حدث، ولكنه بالغ في دلالاته السياسية والتي لا يجوز أن تمر هكذا وكأن كل شيء على ما يرام. * كاتب فلسطيني