لم أتردد كثيراً قبل أن أباشر بكتابة هذا النص المعني بتوجيه النقد إلى «الجيش الحر» في سورية. ذلك التردد قد يصيب بعضهم لسببين: أولهما: الخوف من أن تنالهم اتهامات من المعارضة بمحاباة نظام الاستبداد السوري كونهم يقدمون نقداً لفصيل أساسي من الفصائل التي ترتكز عليها الثورة. ثانيهما: أن يجد النظام السوري وإعلامه في ذلك النقد مطية لخطابه المتهافت، ويقوم بتسويق النص على أنه نقد وهجوم كتابيّ على «العصابات الإرهابية المسلحة» كما يسميها. لذا، فإن موقعي ككاتب ومثقف من قلب الثورة السورية وملتزم قضية الشعب السوري الأولى اليوم، في الحرية وإسقاط النظام، يضعني على محك النقد لمآلات كثيرة جنحت إليها الثورة، وهي تهدد الثورة ومكاسبها بعد إنجاز الإسقاط الضروري للنظام طالما أن الأمر يتعلق بفصيل مسلح وانتشارٍ للسلاح في نواحٍ كثيرة من سورية. خطف لأسباب لا تتعلق بالثورة صباح الجمعة 15 حزيران ( يونيو ) 2012، وبعد وصول السيد مظهر حمدو إلى مزرعته الواقعة في أطراف مدينة السلَمية، فوجئ بمجموعة مسلحة تخطفه من أمام المزرعة وتقتاده إلى مكان مجهول. مظهر حمدو هو عضو في قيادة فرع حزب «البعث» في حماة، أي أنه قيادي من قيادات النظام السوري في المحافظة. وهو مهدد طبعاً بالخطف في أية لحظة من قبل مجموعات معارضة بخاصة «الجيش الحر». مع انتشار مجموعات معارضة مسلحة ينضوي بعضها تحت راية «الجيش الحر» عكس بعضها الآخر، صارت السيطرة على تلك المجموعات من قبل قيادة «الجيش الحر» وكبار ضباطه أمراً شبه مستحيل، ومع انعدام وجود قيادة عسكرية تمسك بزمام القرار والفعل الميداني، وغياب التنسيق مع جهات سياسية معارضة في الداخل أو الخارج، تكاثرت الأعمال التي لا يبدو كيان «الجيش الحر» وسبب وجوده على علاقة بها، ومنها مثلاً المجموعة التي خطفت القيادي البعثي مظهر حمدو. يروي علي وردة، وهو ناشط ومعارض معروف في أوساط المعارضة في السلَمية وشقيق زوجة مظهر حمدو، تفاصيل الخطف التي تكشفت بعد خروج صهره من عند الجهة الخاطفة، مقابل مبلغ يعادل نحو 80 ألف دولار. يقول وردة: «تم اقتياده إلى منطقة جبل الزاوية، وهناك تم التحقيق معه على يد ضابط برتبة رائد، وقال له الرائد ما مفاده أنه سيتم السؤال عنه وعن عمله وموقفه في السلَمية، وإذا تبين أن سيرته حسنة ولم يقم بإيذاء المعارضين أو دعم الشبيحة فسيتم إطلاق سراحه مقابل المبلغ المذكور سابقاً، وإلا فستتم تصفيته...». ما يثير السؤال هو: إن كان الخطف لأسباب سياسية وأمنية تتعلق بالثورة السورية، فما الداعي والدافع وراء طلب مبلغ مالي بما يجعل الموقف كأنه حالة خطف مقابل فدية لا علاقة ل «الجيش الحر» وأهدافه الداعمة للثورة ضد الطاغية بها؟ ثمة تناقضات وحالات يبدو «الجيش السوري الحر» مسؤولاً عن وضع حد لها، عبر كبحه تلك الحالات والسيطرة عليها وضبط تصرفات المجموعات التابعة له، أو على الأقل إصدار موقف من تلك العمليات التي تنفذ باسمه أو تقوم بها جماعات تنضوي تحت رايته فعلاً، إذا سلمنا أن ضبط مجموعات «الجيش الحر» لمصلحة قيادة وقرار واحد أمر مستحيل. واستكمالاً لرواية علي وردة: «عندما تأخر أهل المخطوف عن تسديد المبلغ المتفق عليه مع الخاطفين، سجل الخاطفون مقطع فيديو يصور انشقاق مظهر حمدو عن النظام السوري وحزب «البعث»، وقالوا له إن تصفيته ستتم «الآن وفوراً»، وبدأوا بإطلاق النار في الهواء لترويعه. وعندما تم دفع المبلغ، وقبل أن يتم تسليم مظهر إلى أهله، عرضت عليه المجموعة الخاطفة أن تنقله بأمان إلى تركيا إن أراد الانشقاق وترك البلد، لكنه رفض. ولما طلب منهم أن يتركوا سيارته الخاصة ويأخذوا سيارة فرع الحزب، رفضوا ذلك، علماً أن مظهر أخبرهم أن هذه السيارة هي لمعارض معروف في السلَمية اسمه علي وردة، ويمكنهم السؤال عنه إن أرادوا». مظهر حمدو الآن بين أهله في السلَمية، شبيحة المدينة يقولون: «هاي الحرية اللي بدكن ياها!...». وإذا ما قارنا بين «الجيش السوري الحر» وجيش النظام، لناحية السلوك والأهداف، لوجدنا الانحرافات عن خط الثورة التي يشهدها «الجيش الحر» استثناءً ومآلاً طبيعياً بعد كل ما حدث ويحدث من خراب سياسي وفكري واجتماعي ومادي في سورية. أما جيش النظام ومتنهُ فكرة الولاء لنظام مافيوي مستبد، فإن الاستثناءات في صفوفه ورفض قتل المدنيين ومواجهة استمرار التسلط على الشعب هي التي شكلت في لحظة تاريخية ما يسمى ب «الجيش السوري الحر»، من دون أن ننسى طبعاً وجود مجموعات مسلحة مدنية تابعة أو غير تابعة لكتائب الجيش الحر، وعمادها الأهالي من المدنيين. الساكت عن «النقد» شيطان أخرس عندما قامت مجموعة «كانت مجهولة بدايةً» بخطف باص اللبنانيين في ريف حلب، كتبتُ على صفحتي الشخصية على الفايسبوك نقداً لعملية الخطف وقلت: «إن النظام السوري قد يكون وراء العملية لاتهام المعارضة بعمليات الخطف، أما إذا كان الجيش الحر أو مجموعات مدنية مسلحة هي التي خطفت الرهائن اللبنانيين، فمناطٌ بهؤلاء الخاطفين إطلاق سراحهم لأن هذا سيكون باباً للتضييق والهجوم على رفاقنا المعارضين والناشطين المقيمين في لبنان، وسيكون حجة ل «حزب الله» وعملاء النظام السوري في لبنان لافتعال فتنة في لبنان نحن في غنى عنها». لم تكد تمر ثوانٍ معدودة حتى بدأت التعليقات والرسائل الشخصية تنهال على رأسي، ومضمون معظمها تخوين لي لاتهامي «الجيش الحر» والمعارضة بالخطف، وعدم التفاتي إلى القتل الذي يعيشه السوريون يومياً وغير ذلك... جميلٌ أن يوحدنا هدف مشترك، مدنيين وعسكريين، هو إسقاط النظام السوري بأركانه ورموزه وأفراده جميعاً، والأجمل أن نحصل على هذا الهدف لنباشر عملية بناء دولتنا المدنية السورية، وهو ما نتمنى أن يكون قريباً. لكن الغباء والديماغوجية يرفعان راياتهما اليوم في أوساط ناشطين وكتّاب في الثورة السورية، يرون النقد محرماً على حالات في ثورة نحن جزء منها في النهاية، بخاصة إذا ما تعلق الموضوع بالسلاح وأخطار انتشاره غير المنضبط، والخطف والخطاب الديني المتفاقم يومياً على حساب الفكرة المدنية، وغير ذلك مما لن يكون في منأى عن النقد والعمل المؤسس لما هو نقيض له مستقبلاً. كما لن يكون حائلاً بيننا وبين الاستمرار في العمل في صفوف الثورة السورية حتى الإسقاط النهائي للنظام الاستبدادي السوري.