جروف صخرية شاهقة تخترقها مغاور متقاربة ساهمت أنامل الطبيعة ويدّ الإنسان في حفرها، فكأنك بذلك أمام مشهد مصغر لمدينة «كابادوكيا» التركية أو «معلولا» السورية حيث المغاور الصخرية أمست بيوتاً سكنية مميزة في عصرنا الحالي. «مغر الحبيس» هو الإسم اللبناني لمغاور قديمة في صخور بلدة الفرزل البقاعية الواقعة على بعد ستة كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة زحلة في لحف سلسلة جبال لبنان التي يشرف عليها جبل صنين. وهذه البلدة تزخر، فضلاً عن «مغر الحبيس» بآثار ومعابد رومانية أهّلتها لتحتل موقعاً هاماً في منشورات اللجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلم والتراث التي أدرجت الفرزل، وبالتعاون مع منظمة الأونيسكو، ضمن المواقع التاريخية اللبنانية الهامة. بلدة صغيرة وادعة في حضن محافظة البقاع الغنية منحتها جيولوجيا الجغرافيا ومدد التاريخ قيمة مضافة الى طيبة سكانها وتعلّقهم بأرضهم. فالبلدة القديمة اشتهرت في القرن الميلادي الخامس كمركز أسقفي، لكنّ الدراسات التاريخية تقرّ بشكل مؤكد أن تاريخها يعود الى العصر الروماني. تضمّ الفرزل بقايا معبد روماني شيّد على الطراز الكورنثي، كرّس لعبادة «أبولون» حيث ما زالت أساساته ماثلة في وسط البلدة تزنّرها أحجار مزخرفة ومنقوشة بعدد من الكتابات التذكارية. وفي المنطقة المعروفة ب «وادي الحبيس» ترتفع جروف صخرية شاهقة تحيط بواد عميق ويخترقها بعض المغاور المتقاربة التي كانت، كما يؤكد الباحثون، مقراً لجماعات من النساك المسيحيين في العصر البيزنطي فأصبحت تعرف ب «مغر الحبيس». ويجاور معظمها أحواض أو برك محفورة كانت تستخدم لتجميع مياه الأمطار، كما توجد في المكان طاقة أو كوّة تظهر فيها منحوتة مخروطية تشبه تمثالاً نحت وفق تقاليد أبناء المنطقة وليس على الطريقة الرومانية بدليل بعده عن التماهي مع الهيئة البشرية. في حين تتربع صخور على ضفة الوادي اليمنى لتشكّل ساحة تفضي الى قاعة محفورة يمكن الوصول إليها عبر 4 درجات صخرية. وبحسب الدراسات، جرى استخدام هذه المغاور لغايات مدفنية من جهة ودينية من جهة أخرى، بينما يؤكد بعضهم انها كانت للسكن بدليل العثور فيها على أمتعة وبقايا بشرية ترقى الى فترات تاريخية متفاوتة منذ الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرون الوسطى. وسيراً على الأقدام في رحلة ممتعة وسط الطبيعة، تأخذك الرحلة في درب ترابي الى منحوتة صخرية تتوسطها نخلة مع صورة شاب تحفّ برأسه هالة نور ممسكاً بلجام حصانه بيده اليمنى فيما يحمل كرة أو قرصاً بيده اليسرى. والى يمين النخلة رسم لشخص يمثّل جنّياً عارياً حاملاً بيده اليمنى عنق بلح وباليسرى جدياً وباقة ضخمة من السنابل أو النباتات الأخرى. ولا بدّ أخيراً من نظرة متفحصة على صخور المنطقة بمقالعها الرومانية الضخمة التي تتزاوج مع صخور الأودية والجروف الصخرية الهائلة، فتكوّن مشهداً سريالياً رائعاً يعطي للمنطقة رونقاً أخاذاً.