قامت مجموعة من المراهقين والمراهقات بمضايقة امرأة أميركية مسنة أثناء ركوبها الباص العمومي. ظلوا لمدة طويلة يضايقونها بالألفاظ السيئة ويستهزئون بجسدها الممتلئ بعض الشيء... السيدة المسنّة المصدومة ظلت تبكي بعد أن طلبت منهم مراراً السكوت والابتعاد عنها والكف عن إيذائها. قام بعضهم بتصوير المشهد المسيء ووضعه على برامج التواصل الاجتماعي و«يوتيوب»... وانتشر الخبر وقامت الدنيا في ولاية نيويورك ولم تقعد بعد، حتى بعد مضي عشرة أيام على الحادثة، فالتحقيقات مستمرة، وهناك نقاش حاد حول تحديد عقوبة المعتدين والمعتديات على السيدة المسنّة. قام بعض الأشخاص بوضع الفيلم القصير على «فيسبوك» رافضين ما حدث للسيدة، فماذا كانت النتيجة؟ زار الصفحة 850 ألف مشاهد، وقاموا بالتبرع للسيدة بمبلغ وصل إلى 650 ألف دولار حتى الآن، تعويضاً لها عما حدث في الباص من هؤلاء المراهقين، وحتى تتمكن من الترتيب لإجازة جميلة تجعلها تنسى الإساءة التي آذت مشاعرها وجعلتها تبكي وهي تشعر أنها وحيدة وبدينة ولم تتمكن من الدفاع عن نفسها، والهدف الأكبر أن تعلم عن طريق الصفحة وكلمات الغضب والتبرع الذي حلّ عليها من السماء أنهم غاضبون لما حدث لها، وأن هذا التصرف مشين جداً، وأن هؤلاء الأوغاد سيجدون عقاباً مناسباً لما فعلوه بها. على رغم أن السيدة لم تفعل شيئاً ولم تقدم بلاغاً للسلطات، بل طالبت بخطاب اعتذار فقط. لم أسمع اعتراضاً من البعض ولا همهمة بأن الكتابة عن الموضوع «تشوّه صورة المجتمع الأميركي». بل واجهوا الموقف ونشروه وأعلنوا غضبهم، وكانوا أكثر إيجابية وانفتاحاً لوضع بعض الحلول المسكّنة والمخففة لمشاعر الألم عن طريق التبرع، حتى تتجاوز السيدة الموقف، وحتى تشعر أن هناك أشخاصاً لا يعرفونها ولكنهم يشعرون بها وتؤذيهم معرفة ومشاهدة أو مجرد تخيل ما مرّت به من محنة. الأخطاء الشنيعة تحدث من بعض البشر لمرض أو لجهل واستهتار، أو حين يشعر البعض أن لا قانون يحاسبه، أو أنه حر طليق، حريته المزعومة تعني بالنسبة إليه أن يدوس على غيره، أن يأخذ حقه، أن يتحكم في مصيره، أن يضربه، أن يهينه ومن ثم يقول أنا لا أعلم أن ما حدث ممنوع! ما يسعدني حقيقة هو التوازن الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة، وجعلها مقسّمة بين الناس مهما اختلف دينهم وجنسيتهم وأخلاقهم ولغتهم، نجد الشر من البعض، ونفاجأ بأن مجموعة أخرى ترفض الشر الذي حدث وتعلن عن رفضها وغضبها، وتحاول اقتراح سبل وطرق إيجابية للدعم ومحاولة لتخفيف الألم ومداواة الجراح ريثما تنتهي التحقيقات. تجاهل المواقف لا يحل المشكلات ولا يفسرها، ولا يساعدنا في وضع قوانين لعدم تكرارها، كل المواقف تبدأ فردية وتنتهي جماعية عندما يعلم البعض أن لا قانون ولا عقوبة نالت السابقين. [email protected] s_almashhady@