أثار المعرض التشكيلي الشخصي، الذي نظمه الفنان صديق واصل في «غاليري أثر»، بعنوان «ولا يزالون مختلفين» اهتمام الكثير من المشتغلين في التشكيل والمتابعين. واصل الذي يعد أحد أبرز وأهم الفنانين في التجارب الفنية الحديثة في المحترف السعودي، عرض 40 قطعة فنية من تجربته الجديدة ،احتضنتها قاعات «غاليري أثر» الأنيقة قرابة الشهر، مسجلاً نجاحاً في أكثر من صعيد، إذ تم اقتناء معظم الأعمال ليلة الافتتاح وخلال الأسبوع الأول فقط. كما تميز المعرض باهتمام إعلامي لافت، وشهد فعاليات متعددة كورش عمل للكبار والصغار. وأجمع عدد من النقاد ومنهم الناقد سامي جريدي على عمق ونضوج التجربة لدى صديق واصل. «الحياة» التقت صديق واصل فكان هذا الحوار: «ولا يزالون مختلفين» اسم معرضك الحالي... ما سر التسمية؟ - الاختلاف ربنا سبحانه وتعالى وضعه في الكون ووضعه في حياة البشر من اختلافات كثيرة جداً في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم وكل شىء. حتى في أرزاقهم، وكل شيء فيه اختلاف. كانت فكرة اسم المعرض «ولا يزالون مختلفين» لأني كنت أشاهد هذه الأشياء وأنا ابن مكةالمكرمة في أشكال هؤلاء الناس في ألوانهم، والذين جاءوا من كل فج عميق في الحج، وهذه الأشياء أثرت فيّ كثيراً وأصبح بالنسبة لي الموضوع شيقاً والدراسة واضحة، وأيضاً قراءتنا للقرآن الكريم ومعرفة حكم الله سبحانه وتعالى في خلقه. هذه الآية لها مدلول واضح للاختلافات في الحياة هذه... وهذه أسباب تسمية المعرض«ولايزالون مختلفين». طوعت خامة الحديد لتوظيف قضايا الإنسان المعاصرة. لماذا اخترت هذه الخامة تحديداً؟ - خامة الحديد هي خامة قاسية جداً وصعبة جداً. وهذه القسوة والصعوبة موجودة في الحياة والإنسان مرتبط بالحياة ويعيش قسوتها لهذا اخترت هذه الخامة لتوظيف قضايا الإنسان المعاصر ومعاناته. مع الحياة وقسوتها وكنت أشد حرصاً أن يرى الزائر والمشاهد لأعمالي حقيقة معاناة الإنسان، من خلال المعالجة الفنية لمجسماتي وهنا يبرز المتغير الحقيقي في تحويل العمل من مهني إلى عمل فني إبداعي، وهذا يختلف من فنان إلى فنان آخر وأيضاً ثقافة الفنان ورؤاه الفكرية. وقدرة الفنان وهذا أيضاً جزء من الاختلاف الذي وضعه ربنا في كل إنسان. صديق واصل فنان متعدد المواهب عرفناك فناناً ونحاتاً وفوتوغرافياً ومخرجاً مسرحياً وناقداً تشكيلياً؟ - كما هو معروف كل منا، أو دعني أتحدث بشكل عام، الإنسان يمتلك طاقة جبارة .. لكن توظيف هذه الطاقة يختلف من شخص لآخر. على الصعيد الشخصي وهذا من فضل الله تعدد مواهبي دفعني للإبداع والتميز، وهناك الكثير من الزملاء في الوسط الفني أصحاب منجزات في أكثر من جنس إبداعي خذ مثلاً الفنان القدير الرائد ضياء عزيز فهو فنان تشكيلي ونحات عالمي وموسيقي مميز أيضاً. وأحمد فلمبان فنان من جيل الرواد وناقد تشكيلي وكاتب وعازف كمان من الدرجة الأولى، وسامي جريدي فنان مفاهيمي وكاتب وروائي وناقد تشكيلي حاصل على جائزة الشارقة للبحث النقدي عن كتابه «المفاهيمية في الفن التشكيلي السعودي». وهناك الكثير من المبدعين في أكثر من جنس إبداعي يحفل بهم المشهد الثقافي السعودي. الزائر لمعرضك يلحظ أعمالاً فنية تحمل أسماء ومسميات مثلا «المعلقات السبع» و«عنتر وعبلة» و«مجنون ليلى» يبدو أنك مغرم بالأساطير وقصص الحب الخالدة؟ - هذه حقيقة لا أنكرها، ربما قراءتي الكثيرة للأدب العربي، فأنا مغرم بالشعر الجاهلي ولا تتخيل كم كنت سعيداً عندما عرضت أعمالي، التي أسميتها المعلقات السبع في متحف شنغهاي للفن الحديث، إذ كان الزوار الصينيون يقفون بالطوابير الطويلة ويسألون بشغف عن عنترة ومن هو امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد، وكانوا يسألون أسئلة كثيرة كيف استطعت أن توظف هذا التراث في العمل الفني؟ وكانوا سعداء وهم ينصتون، وأنا أتحدث عن هذا الحب العميق الذي ألهم عنترة ومده بالقوة ودفعه للتحرر والقتال الشرس لأجل هذا الحب لأنه كان جزءاً مهماً في حياته. كذلك العمل الفني الذي يحمل اسم «مجنون ليلى» ويعرض الآن ضمن المعرض الحالي جسدت فيه مدى عشق قيس بن الملوح لمعشوقته ليلى العامرية، وهذا العمل بالمناسبة تم اقتنائه في اليوم الأول. أعمالك تقتنى بشكل لافت محلياً وعالمياً وهذا ما تحقق في معرضك الحالي، هل يضعك هذا الأمر أمام تحديات جسام لتقديم تجربة جديدة؟ - هذا توفيق من الله ومن ثم دعاء الوالدين واجتهاد الفنان نفسه، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن أعمال صديق واصل لقيت رواجاً كبيراً، ومؤشراً في تقديري لنجاح التجربة والحمد لله. الطلب على أعمالي لا يشعرني بالفخر كشخص أو فنان فحسب بل أعتبره فخر لكل الفنانين السعوديين، بأننا نقدم فناً راقياً ومعاصراً باسم المملكة في كل المحافل الدولية والبيناليات العالمية. وعندما يعرض عمل فني لأحدنا في مزاد عالمي أو بينالي دولي، فهذا دليل على نجاح الفنان السعودي وعلو شأن الفن السعودي المعاصر. منحوتاتك الفنية حظيت باهتمام محلي ودولي، لكن هناك سؤال يطرح نفسه لماذا لا نرى مجسماً لصديق واصل يزين أحد الميادين في مدينة من مدن المملكة؟ - حقيقة لم يصلني حتى الآن أي عرض من عروض الأمانات في أي مدينة من مدن المملكة، ولم أتلق دعوة لإقامة مجسم من وزارة الثقافة والإعلام. طبعاً أرحب بأي دعوة بهذا الخصوص، وأنا موجود وفني موجود وما يهمني هو أن يتعرف الجمهور على أعمالي، التي أحدثت صدىً إيجابياً، سواءً عندما تعرض في الداخل أو في الخارج. هناك إشكالية مزمنة يعاني منها الفنان التشكيلي السعودي في تسويق أعماله الفنية، هل نفتقر إلى وجود شركات متخصصة؟ -دعني أصحح، لسنا بحاجة لشركات متخصصة ولكننا نتطلع لغاليريهات متخصصة ولديها خطط تسويق احترافية ونحن نفتقر لوجود مثلها. ربما يوجد لدينا عدد محدود جداً منها بالمملكة، ربما غاليري بجدة وآخر بالرياض لكنها ليست كافية مقارنة بالحراك التشكيلي الفاعل، الذي يتميز به المشهد التشكيلي السعودي الآن.