أصبح محمد مرسي أول رئيس مدني في تاريخ مصر، لينهي ستة عقود من تفرد المؤسسة العسكرية بالرئاسة، آتياً من قلب جماعة «الإخوان المسلمين» التي دخلت صراعاً مريراً مع قادة الجيش بعد ثورة العام 1952. لكنه سيضطر إلى خوض معركة طويلة مع المجلس العسكري الحاكم لانتزاع صلاحياته التي كبلها إعلان دستوري صدر الأسبوع الماضي وكرّس سلطة الجنرالات على حسابه. وأعلنت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة أمس فوز مرسي بعد حصوله على 13 مليوناً و230 ألفاً و131 صوتاً بنسبة 51.73، فيما حصل منافسه المحسوب على المجلس العسكري الفريق أحمد شفيق على 12 مليونا و347 ألفاً و380 صوتاً بنسبة 48.27 في المئة. وقال رئيس اللجنة القاضي فاروق سلطان إن نسبة الاقتراع كانت 51.8 في المئة، مشيرا إلى أن الطعون التي تلقتها اللجنة لم تؤثر في النتائج. ورغم أجواء الفرح والاحتفال التي سادت ميادين مصر فور إعلان النتائج، إلا أن أنصار الرئيس ما زالوا معتصمين في الشوارع احتجاجاً على الإعلان الدستوري المكمل وحل البرلمان وقرارات أخرى اتخذها العسكر قبل إعلان نتائج الانتخابات. لكن جماعة «الإخوان» والعسكر سعيا إلى تهدئة أجواء التوتر التي سادت العلاقة بينهما، إذ هنأ رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي ونائبه الفريق سامي عنان الرئيس المنتخب فور إعلان اللجنة العليا للانتخابات النتائج رسمياً، فيما أكد الناطق باسم «الإخوان» محمود غزلان ل «الحياة» أن «التفاوض الحضاري» سيكون الطريق الوحيد لحل مسألة صلاحيات الرئيس، مشدداً على أن «الصدام لا وجود له في قاموس الشعب ولا الجيش». ووصلت قوات من الحرس الجمهوري الى منزل مرسي في ضاحية التجمع الخامس القاهرية قبل إعلان النتائج. وتابع الرئيس المنتخب إعلان النتيجة في وجود قوات الحرس الجمهوري التي تولت إجراءات تأمينه وتابعت ترتيبات مؤتمر صحافي كان مقررا أن يعقده مساء أمس. وفور إعلان النتيجة، هنأ طنطاوي وعنان ورئيس الوزراء كمال الجنزوري وشيخ الأزهر أحمد الطيب والقائم بأعمال بطريرك الأقباط الأنبا باخوميوس ورئيس الاستخبارات اللواء مراد موافي ووزراء ورؤساء أحزاب ومرشحون سابقون في الانتخابات الرئيس الجديد على انتخابه. ودعاه رجال دين وساسة إلى بدء «مصالحة وطنية لاستعادة اللحمة بين طوائف الشعب». وفي أول رد على النتيجة، شكر مرسي «قضاء مصر الشريف، ورجال الجيش الذين حموا الانتخابات بكل ديموقرطية وشرف». وقال في تغريدة على موقع «تويتر»: «لن أخون الله فيكم، ولن أخون هذا الوطن». وأعلنت جماعة «الإخوان» إنهاء ارتباط مرسي بها وبحزبها «الحرية والعدالة» الذي كان يتولى رئاسته. وانتفض ميدان التحرير وعدد من الميادين الرئيسية في المحافظات فرحاً بفوز مرسي، وأصر المتظاهرون على استمرار اعتصامهم رفضاً للاعلان الدستوري المكمل ولحل البرلمان، فيما خيم الحزن على مقر حملة شفيق. وأفيد بأن أعضاء في حملته اشتبكوا مع الصحافيين الذين كانوا يتمركزون أمام مقر الحملة لتغطية الحدث، وقطع مناصروه الذين كانوا يستعدون للاحتفال في حي مدينة نصر شارعاً رئيساً في القاهرة، مرددين هتافات ضد «الإخوان» والمجلس العسكري. في موازاة ذلك، أكد أحمد سبيع الناطق باسم حملة مرسي «استمرار الاعتصام في ميدان التحرير، اعتراضاً على الانقلاب الدستوري الذي يقوده المجلس العسكري». وقال: «لن نترك الميدان قبل تحقيق مطالبنا وفي مقدمها صلاحيات كاملة للرئيس المقبل وإلغاء قرار حل البرلمان». وبدا أن أداء اليمين الدستورية سيكون موضوع أول مواجهة بين الرئيس المنتخب والمجلس العسكري، ففي حين ينص الإعلان الدستوري الجديد على ادائها أمام المحكمة الدستورية العليا بعد حل البرلمان، أكد ياسر علي الناطق باسم حملة مرسي أنه «سيؤدي اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب، لأنه الجهة الشرعية الوحيدة المنتخبة من قبل الشعب». وفي محاولة لاحتواء التوتر السياسي، أكد الناطق باسم «الإخوان» محمود غزلان أن الأزمة السياسية الناشئة عن الإعلان الدستوري المكمل ومحاولة العسكر تقليص صلاحيات الرئيس «لا تحل إلا بالتفاوض العقلاني». وقال: «على العسكر تسليم السلطة كاملة، وأرجو ألا يحدث صدام على الإطلاق مع أي طرف، فهذه المشاكل لا تحل إلا بالتفاوض وبطريقة وطنية وحضارية... قضية الصدام منتفية من قاموس الشعب المصري، كما أن المجلس العسكري عاقل ولن يدخل في صدام مطلقاً مع شعبه، وبالتالي الخلاف على صلاحيات الرئيس لو تم التفاوض في شأنه بطريقة حضارية سيتم الوصول إلى حلول ترضي الكل، والأكيد أن الأمور لن تبقى على ما هي عليه الآن، فلا أحد يتحمل استمرار هذا التوتر وأن تظل مصر محشورة في نفق مظلم». وتوالت ردود الفعل المرحبة بالنتائج عربيا ودوليا. وهنأ البيت الابيض مرسي بفوزه برئاسة مصر، معتبرا ان «علامة مهمة في انتقال مصر الى الديموقراطية». ودعا مصر إلى ان تكون ركيزة السلام في المنطقة. وانطلقت احتفالات في غزة فور إعلان فوز مرسي. وخرج مئات الى الشوارع، فيما أطلق عشرات المسلحين من أسلحة متنوعة في مناطق مختلفة النار في الهواء احتفالاً. وهنأ رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة القيادي في «حماس» اسماعيل هنية مرسي بفوزه، فيما اعتبر القيادي البارز في حركة «حماس» محمود الزهار فوز مرسي «لحظة تاريخية وانتصاراً كبيراً لأرواح الشهداء وتضحياتهم». وتوقع «انعكاسات ايجابية متوازنة لمصلحة القضية الفلسطينية». وهنأت السلطة الفلسطينية مرسي بانتخابه، ودعت المصريين الى احترام الخيار الديموقراطي ونتائجه. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات إن «الشعب الفلسطيني وقيادته على ثقة تامة بان انتخاب مرسي سيستمر بدعم القضية الفلسطينية كما فعل كل المصريين. ونحن واثقون انه سيسعى ويعمل لإعادة فلسطين الى الخارطة الجغرافية بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدسالشرقية على حدود العام 1967». وهنأت وزارة الخارجية الاسرائيلية الرئيس المنتخب، معتبرة أن مصر «في المرحلة النهائية من الصحوة الإسلامية»، وأبدت إسرائيل «احترامها» للنتائج، داعية إلى الحفاظ على معاهدة السلام. وقال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في بيان: «تشيد إسرائيل بالعملية الديموقراطية في مصر وتحترم نتيجتها، وتتوقع استمرار التعاون مع الإدارة المصرية على أساس معاهدة السلام بين البلدين التي هي في مصلحة الشعبين والتي تسهم في الاستقرار الاقليمي». ورحبت دولة الإمارات العربية بفوز مرسي على لسان وزارة خارجيتها التي قالت إن ابوظبي «تتابع باهتمام التطورات التي تشهدها جمهورية مصر العربية الشقيقة وترحب بما اسفرت عنه نتيجة الانتخابات الرئاسية، وتؤكد احترامها لخيار الشعب المصري الشقيق في سياق مسيرته الديموقراطية وتأمل بأن تتكاتف الجهود الآن نحو تامين الاستقرار والتآلف والتعاون بين الجميع تحقيقاً للمصالح العليا وما يصبو اليه الشعب المصري من أمن واستقرار وحياة كريمة ونماء». وفي الكويت، هنأ أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الصباح مرسي على «الثقة التي منحه اياها الشعب المصري بانتخابه رئيساً». وتمنى له «النجاح»، معرباً عن الأمل في ان يتمكن من «تحقيق تطلعات المصريين إلى الرخاء والأمن والاستقرار». وهنأ وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الرئيس المنتخب. وقال في تغريدة في صفحته الرسمية على موقع «تويتر»: «انتخب شعب مصر رئيساً جديداً. اهنئه واهنئهم بالنتيجة وبالعملية السلمية. وآمل أن يظهر الرئيس الجديد لمصر قيادة مبكرة في ما يتعلق بالإصلاحات الديموقراطية والاقتصادية وحقوق كل المصريين رجالا ونساء».