الفعل الخاطئ لا يمكن أن نمنع حدوثه، وبشيء من التركيز واستيقاظ الضمير ونضوج العقل نستطيع أن نحيله إلى فعل صحيح، الأفعال الخاطئة والتصرفات الغريبة لا تزعج كثيراً لأنها بمثابة الشمعة التي تضيء الطريق إلى الأماكن المظلمة والمهجورة والمحترقة من الوجع والألم والقهر. الحكاية مع العنف بدأت منذ زمن، ولا أظن أن المؤشرات الحالية تقود إلى ميدان التوقف على الإطلاق، إذا ما علمنا أن لجان التحقيق تكتم أنفاس تفاصيل ما وراء أي قضية من دون أن نعرف كيف توزعت قوائم الحساب والعقاب، ومن الذي سمح للعنف أن يولد؟ وكيف كان ينمو في ما مضى من دون أن تطفو على السطح أي من جروحه المتورمة. في جازان، اشتكت نزيلات في دار لرعاية الأيتام من تعرضهن لعنف، وبودي أن أشكر وأكافئ من كان له اليد الطولى في نفض الغبار عن عنف لا أظنه للتو نشأ، بل هو منوع ومتدرج، إذا ما عرفنا بأن عقلية مدير الدار تتحدث عن أن «شد الشعر» - وهو التصرف الذي قفز باكراً على لسان النزيلات - لا يحسب ولا يُعد من أجندة وقوائم العنف، ولا أظن شكوى النزيلات محصورة عند فقرة شد الشعر، بل إن هناك تصرفات أخرى لم تجرؤ ألسنتهن على الإفصاح عنها. أعود لسطر البداية وتداعيات الفعل الخاطئ والتأكيد على أن في الإمكان تحويله إلى فعل صحيح موجب وتلافي تجاعيد الزمن التي رسمها الزمن القاسي بمباركة المسؤولين النائمين الذين يقرؤون العنف بأكثر من عنوان، ويرسمون نماذج له وفق ما تمليه عليه إنسانيتهم المتفاوتة بالطبع. المؤسسات الاجتماعية ودور الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة لا تحتاج إلى مسؤول منظر أو يفزع لجمل التبرير والتفسير وخطط الهجوم والدفاع، تحتاج أولاً وأخيراً مسؤولاً من طراز فاخر، ويمتلك مهارات إنسانية بارعة، تحتاج من لا تخذله الدموع حين يقرأ على الوجوه ملامح القهر، أو ذل الاحتياج وتراكم الضغوط على أجساد ليس لها من الأمر ذنب، بل إن قدراً مكتوباً ذهب بهم إلى هذه المساحات المغلقة، وبطموحات ورغبات متفاوتة وبلا رقيب أو حسيب فتكالب عليهن في آن واحد مجتمع قاسٍ وحياة بائسة. الأفعال الخاطئة المصحوبة بفشل إداري وكراس هامشية لا تحتاج وقتاً طويلاً في هامش التمعن وخريطة التصحيح، المتسبب والمتهاون في التقصير لا بد أن يركن خارج الدائرة العملية أولاً ومن ثم يمنح دورات متخصصة لتطوير مهاراته وقدراته الإنسانية، إذا أصر المسؤول الأكبر على أن يبقى داخل إطار المؤسسة الاجتماعية بتغليب العامل الإنساني أيضاً، وعدم الرغبة في قطع لقمة العيش. الدار وللمفارقة اسمها «دار الحنان»، وهي لا تحمل من اسمها نصيباً، إلا إذا كان هناك من يرى أن العنف لا يأخذ صورته النهائية إلا في حال الكسور والجروح والكسور فهذا رأي آخر لكني أرغب في أن يمارس مع صاحب هذا الرأي الدور نفسه في حال التقصير والإهمال والتطنيش لأعرف إلى أي الخانات ينتمي «شد الشعر»؟ ما أخشاه أن نخلص في أن دار الحنان غاية في الحنان ولا مثيل لها، لكني ما أنا مصر عليه أن دور الرعاية ممتلئة بالملاحظات، وتراكم المعاناة للنزلاء والنزيلات، ولا أحد يسمع الصوت، وإن كان هناك من سمع فإن وسائل البوح والتنفس تقطع تماماً بعد أول حال تعرية، لنظل بانتظار معجزة على يد شجاع يكتشف ملف عنف جديداً في دور رعاية يبدو أنها، مع الأسف، تدخل العناية أو تحتاج لعناية رقابية من الوزن الثقيل. [email protected] alialqassmi@