أثلج خبر اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، صدور الشعب السعودي، إذ مثّل الخبر تفعيلاً لهيئة البيعة التي شكلها خادم الحرمين الشريفين عام 1427ه، لاختيار ولي العهد، وكذلك أعطى مؤشراً على مدى سلاسة انتقال ولاية العهد في المملكة العربية السعودية، وكانت لطمة لكل حاقد ومصطاد في الماء العكر، حتى أن كل الدول والمنظمات الدولية بادرت لتهنئة الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وقد كان خيار ولي العهد خياراً جماعياً، فهو يحظى بدعم وثقة خادم الحرمين الشريفين، وكذلك ثقة جميع أفراد الأسرة المالكة، وثقة الشعب السعودي. إن اختيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز لولاية العهد، وفي هذه المرحلة بالذات، ينم عن بُعد نظر، فهو رجل هذه المرحلة التي تتعرض لها المنطقة للكثير من الأزمات العربية والإقليمية، فسلمان يمتلك من الرؤية والحصافة ما يجعله يستطيع القيام بمهام ولي العهد ومساعدة أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ليس فقط في السياسة الخارجية، بل في تنفيذ رؤيته وإستراتيجيته في التنمية المستدامة والإصلاحات التي رسمها. بنظرة تحليلية لشخصية الأمير سلمان، نجد الكاريزما والحضور والثقافة العالية من السمات التي يتمتع بها، سواء على المستوى الشخصي، أو السياسي، أو الإداري، وفوق هذا كله الإنساني، إذ حضرت له لقاءً مع المفكر اللبناني ووزير الثقافة السابق غسان سلامة، إذ كان مدعواً لزيارة المملكة وإلقاء محاضرة في معرض الرياض الدولي للكتاب، وطلب مني الأمير عبدالعزيز بن سلمان مرافقة الوزير اللبناني خلال زيارته للمملكة، وكالعادة كانت المقابلة في مكتبه في إمارة منطقة الرياض، وعندما استأذنت للمغادرة لتركهم لوحدهم في اللقاء، طلب مني حضور الحديث مع الضيف، فكم أكبرت ذلك في سلمان بن عبدالعزيز، واستمعت له وهو يتحدث مع الضيف في السياسة والتاريخ وأحداث الساعة، وكم كان رائعاً في فصاحته وقوة طرحه، علماً بأن كل المسؤولين الذين قابلتهم مع الضيف لم يطلبوا مني حضور اللقاء، ما يجعلنا مدى حب سلمان واحترامه ووضوحه أمام مواطنيه واعتزازه بهم. يتفق الخبراء والمحللون على أن اختيار سلمان هو الأمثل بالنسبة لولاية العهد، وسيكمل المشوار في بناء هذه الدولة التي لن يتوقف التطور والنمو فيها، فعربياً معروف الأمير سلمان بترؤسه معظم اللجان التي تهتم بالمنكوبين والمتضررين والتبرعات، مثل لجنة منكوبي السويس عام 1956 والتبرعات للجزائر في العام نفسه، وأسر شهداء الأردن عام 1967، والمجاهدين الفلسطينيين عام 1967، وودعم المجهود الحربي في مصر عام 1973، ومتضرري السيول في السودان 1988، والشعب الكويتي عام 1990، وانتفاضة القدس عام 2000، أما دولياً فهو على رغم أنه كان أمير منطقة الرياض، إلا أنه كان يقوم بجولات سياسية في مختلف دول العالم، ولذلك تقلد الكثير من الأوسمة الدولية والمحلية، من ضمنها وسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب عام 1989، ووسام البوسنة والهرسك الذهبي عام 1997، ووسام نجمة القدس عام 1998، ووسام «اسكتونا» من الفيليبين وهو أعلى وسام في الدولة عام 1999، ووسام الوحدة اليمنية عام 1422ه، وغيرها الكثير من الأوسمة التي تُظهر مدى احترامه وتقديره لدى هذه الدول وقادتها. يتفق جميع المتابعين لسيرة الأمير سلمان بن عبدالعزيز بأنه صديق الكُتّاب وقارئ نهم في كتب التاريخ، حتى أصبح من المعدودين جداً الملمين بتاريخ الجزيرة العربية، ولذلك من لا يقرأ التاريخ لا يستشرف المستقبل، وهو ما يجعلنا مطمئنين على مستقبل هذه الدولة، هو هذا الانتقال السلس لولاية العهد، فهو يمثل خير خلف لخير سلف، وعضداً قوياً لخادم الحرمين الشريفين، مثلما كان مستشاراً لكل الملوك السابقين من فيصل فخالد ففهد، رحمهم الله جميعاً. يتميز الأمير سلمان برعايته للجامعات في الرياض، جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود، إذ كان الداعم لهما بكل أشكال الدعم، خصوصاً جامعة الملك سعود، التي تبرع بجزء من أرضه للحرم الجامعي في الدرعية، ورئاسته الشرفية للكثير من الجمعيات وأوقاف الجامعة، ورعاية حفلات التخرج في كلتا الجامعتين عندما كان أميراً للرياض، ولذلك تراه قريباً من الشباب ومحبوباً لديهم، فيتصور معهم خلال رعايته لتلك الحفلات، ويستمع لهم ويشاركهم في النقاشات، يرتاحون له ويرتاح لهم، ولذلك ليس غريباً أن يطلق عليه «أمير الشباب». يعتبر الأمير سلمان رجل التاريخ والإعلام، فبالنسبة للتاريخ لا يستطيع أحد أن ينكر تعمقه وتبحره في هذا المجال، خصوصاً ما يتعلق بتاريخ الجزيرة العربية. أما الإعلام فهو صديق الإعلاميين، يرد عليهم ويتصل بهم للاستفسار والتصحيح، وهو ما ذكره الكثير من الإعلاميين، لذلك هذا مؤشر على قربه من نبض الشارع وتوجهات الرأي العام، وهي ميزة يتميز بها سلمان، وتُظهر مدى اهتمامه بالإعلام. إنسانياً يتمتع الأمير سلمان بسمة إنسانية يعرفها سكان الرياض، إذ يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ودائماً يفاجئ الأسر السعودية في الرياض بزيارتهم، سواء للتهنئة أو للتعزية، وحضرت زيارته لأسرة الجبر، عندما توفي الدكتور سليمان الجبر عميد كلية التربية في جامعة الملك سعود إثر حادثة أليمة، لتقديم التعازي لوالده ولأسرته ومسح الحزن عنهم، وهذه حال من مئات الحالات، خصوصاً زيارة المرضى أو الاتصال بهم. كما أن رئاسته لجمعية الأمير فهد سلمان لرعاية مرضى الفشل الكلوي على مستوى المملكة، للمواطن والمقيم، هي أكبر مؤشر ودليل على إنسانية سلمان بن عبدالعزيز. سوف يكون أول أولويات الأمير سلمان هي مصلحة الوطن والمواطن واستقرار ورفاهية المواطنين، والحفاظ على كل المكتسبات التي ينعم بها الجميع في هذا الوطن، خصوصاً في ظل الأزمات التي تدور حولنا وهي كثيرة، فمن اليمن إلى سورية والبحرين وغيرها من الدول، ولذلك يمثل اختيار سلمان ولياً للعهد عامل استقرار للمملكة، وإثباتاً للجميع أنه عندما يترجل فارس من هذه القيادة من صهوة جواده، يمتطي فارس آخر ويكمل المشوار. * أكاديمي سعودي. [email protected]