«يطوّل عمرك يا ميمة يا حنينة، وتعيش يا بابا وتنوّر علينا، تعيشوا الإثنين، سنين سنين، بيكم الدنيا تزهى وتحلى في عينينا» هي أغنية تونسية تتمنى كلماتها طول عمر الأم الحنون وأن يعيش الأب لينوّر حياة أسرته وأن يعيش الاثنان سنوات عديدة لتزهو الدنيا وتحلو في أعين الأبناء. ولعلّها الأغنية التونسية الوحيدة التي تتغنّى بالأم والأب في آن، فالأغاني التي تتغنّى بالأم كثيرة ومتنوعة ومتعددة المضامين، أمّا الأب، فهو منسيّ، أو ربما لأنّ الأم كانت دائماً الأقرب للأبناء من جميع النواحي، ولم يكن الأب في العادة سوى ذلك الطرف المهم في الأسرة، والذي تكمن أهميّته في توفير المال من أجل استمرار الحياة داخل الأسرة. ومع التطور الذي شهده العالم، باتت المقاييس المادية لا علاقة لها بطغيان الحضور العاطفي للأم بعد خروجها الى العمل، وأصبحت تتقاسم والأب الكثير من الاعباء، إلاّ أنها بقيت الأقرب، ويأتي من بعدها الأب في مرحلة ثانية. وإحياء عيد الأب في تونس بدأ عام 2007، إلاّ أن الاحتفال ما لبث أن اختفى أو تقلّص خلال العامين الماضيين، ربما بسبب الظروف التي تمرّ بها البلاد، أو لأنها لم تتحول إلى عادة في صلب المجتمع التونسي، الذي تعوّد كسائر البلدان العربية أن يحتفي بالأم التي تحمل وتلد وتسهر الليالي على راحة الطفل، ولو أنّ مسألة السهر والتربية باتت مشتركة بين الأبوين منذ زمن بعيد بحكم تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة منذ أواسط القرن الماضي. ولم يعد الدور الأساسي للأب يقتصر على ممارسة السلطة الأبوية وتأمين النفقات والحاجات اليومية، بل تعدّى ذلك ليشمل أيضاً الرعاية العاطفية واليومية للأبناء، متقاسماً مع زوجته مهامها في التربية، ما جعله يضطلع بأدوار جديدة تمكّنه من الارتقاء درجات أخرى في سلّم المحبّة من طرف الأبناء. وتقول زهور (20 عاماً): «أعتقد ان انعدام الحماسة لعيد الأب مرتبط بتربيتنا، على أنّ الأم تستحق التبجيل والتودد أكثر من الأب لأسباب عدة، أهمها قربها منّا». أمّا رانيا (25 عاماً) فتؤكد احتفالها بعيد الأم سنويّاً، تماماً كاحتفالها بوالدها، وتقول: «في آخر عيد للأمهات فاجأت والديّ بتذكرتَيْ عمرة، لن أقدر على وصف السعادة التي لمحتها في وجهيهما، لقد كان يوماً غير عادي في حياتي، خصوصاً أنّ والدي لم يتمكن من إخفاء دموعه». وعموماً، لا يتنبه التونسيّون لعيد الآباء بمقدار اهتمامهم بعيد الأمهات، رغم أنّ للأب أكثر من دور داخل الأسرة وخارجها، ورغم أنّه لا يقلّ أهمية عن الأم، ومع ذلك يرى سامي، وهو أب وله ولدان وبنت، أنّه محظوظ، ذلك أنّ أبناءه لا يفوتون فرصة لتكريمه والاحتفال به على طريقتهم، سواء في عيد ميلاده أم مع حلول العام الجديد أو نهاية العام الدراسي. ويضيف: «يسعون لتكريمي وشكري بالطريقة التي يرونها مناسبة»، ويؤكد سامي أنه منذ أربع سنوات تقريباً أصبح محلّ احتفاء من أبنائه في شهر حزيران (يونيو)، وقد علم في ما بعد أن الأحد الثالث من الشهر يصادف عيد الآباء. وتبدو الصورة غير مفرحة لعديد الآباء، اذ لا أحد يفكر فيهم أو يوليهم اهتماماً احتفاليّاً ولو بسيطاً، ويبقى للعادات دور بارز في صنع شكل الاحتفال وطريقته ووقته أيضاً، بعيداً من لغة التحريم، أو قول انّ الاحتفال بعيد الأم أو الأب بدعة.