من يستمع إلى المعلق الرياضي محمد نصار عبر تلفزيون «الفجر الجديد» وهو يعلق على «مباراة» اللاعب الفلسطيني الأسير الأخيرة محمود السرسك مع إدارة السجن الإسرائيلي المعتقل فيه، يدرك في نهاية التعليق الممتد على سبع دقائق أن الحياة نفسها تتحول إلى مباراة كروية من نوع مختلف. الشوطان من زمن الوقت الأصلي موجودان، فقد أوصل الأسير إضرابه إلى اليوم التسعين، أي ما يعادل 90 دقيقة في واقع المباريات، لكنّ الكرة والجمهور غير موجودين في الواقع، ولم يبق في حوزة اللاعب الفلسطيني إلا المقامرة بحياته والمراوغة بجوعه وصبره، وإمكان قهر اللاعب الخصم على رغم عدم توافر أي من مقومات الصمود «الكروي». وعلى رغم قسوة هذه «المباراة» التي لا يوجد فيها راع رسمي -بحسب المعلق– أو نقل فضائي مباشر أسوة بكل البطولات الكروية في العالم، فإن محمد نصار يلجأ هنا إلى استخدام الكثير من المفردات الساخرة في التعليق على مباراة فريدة من نوعها، لا يحرص المشاهير من الشخصيات الحاكمة على حضورها، فلن يعقب ذلك انتخابات هنا أو هناك. وكل ما بحوزة هذا اللاعب هو عقد للانتقال من نادي «رفح» الرياضي في غزة إلى نادي مخيم بلاطة في الضفة الغربية ل «الاحتراف». وإذ تبدو هنا الكلمة فضفاضة جداً وغريبة على الواقع الكروي الفلسطيني «البدائي»، ليس بسبب عدم وجود نواد أو بطولات رياضية «خارقة»، أو لاعبين محترفين على غرار الأندية المشهورة والعريقة في العالم، وإنما بسبب وجود الاحتلال نفسه، الذي أخّر من حياة الفلسطينيين، وطردهم إلى الصفوف الأخيرة وفق سياسة نشطة ومتبناة من أعلى سلطة حاكمة في هذه الدولة العنصرية المارقة. قد يتوقف السرسك – بحسب مصلحة السجون الإسرائيلية – عن إضرابه عن الطعام مقابل إبعاده إلى بلد عربي كما جاء في الأنباء. وقد تكون تلك مجرد خديعة إسرائيلية، لوقفه عن اللعب بالجوع، وطرده من «ملعب» الأمعاء الخاوية، بعدما قضت إسرائيل على آماله بالاحتراف يوماً حين أوقفته على حاجز ايريز العسكري، على رغم امتلاكه تصريحاً بالعبور بين «شطري البرتقالة»، وهو كان انضم إلى المنتخب الفلسطيني يوماً، ولم يبلغ الرابعة عشرة من عمره، ليكون أصغر لاعب فيه. وقد تمضي «المباراة» نحو نهاية غير متوقعة باللجوء إلى ضربات جزاء في لعب هو الأغرب من نوعه في العالم، حين يفرض تعليقات من نوع غريب أيضاً، ومصطلحات رياضية مشتقة من الجوع. حينها يمكن ل «المعلق الرياضي الكروي» الفلسطيني محمد نصار أن يخترع طريقة للاستمرار بنقل هذا النزال غير الكروي بين لاعب وحيد وأعزل من غير كرة أو راع أو جمهور، ومنتخب إسرائيلي قوي ومجهز بلياقة عنصرية وبدنية وعسكرية عالية لا تمنحه إذن اللعب في أي نشاط كروي عالمي، فلم نشهد على بطولات إسرائيلية في هذا المجال على الإطلاق، في حين اكتشف محمود السرسك، اللاعب الفلسطيني الأعزل طريقه للاحتراف والتفوق عليه.