تتزايد مخاوف التونسيين يوماً بعد يوم من التدفّق الكبير لأعداد الليبيين الذين يعبرون الحدود. ومع كلّ يوم جديد تتضاعف مؤشرات ذلك الخوف أو التخوّف من الأيام المقبلة في بلد يعاني مشاكل اقتصادية بالجملة. يتساءل رضا مبروكي: «لا أدري إلى أين ستأخذنا الظروف المستجدة؟»، ويضيف: «لا يكفي أننا نعيش وسط جحيم من الأسعار حتّى تهلّ علينا هذه الآلاف من الليبيين لتزداد الأسعار اشتعالاً ونزداد شقاء وتعباً». ويوضح متابعاً: «أصبحت الإيجارات خيالية، لا سيما في مدن مثل صفاقسوسوسة ونابل والحمّامات، فضلاً عن الأحياء الراقية في العاصمة». ويؤكد مبروكي أنّ «إيجار الشقة وصل الى نحو ألفي دولار للشهر الواحد. أمّا إيجار الفيلات والشقق الفخمة فحدّث ولا حرج، ومع ذلك يقبل عليها الإخوة الليبيّون بكثافة». وكتب منذر شفرة الذي يعمل أستاذاً، في صفحته على «فايسبوك»، «الأسعار نار في الشواطئ التونسية بعد لجوء الإخوة الليبيين إلى الاصطياف، بدل الشقة لليلة الواحدة يراوح بين 80 و200 دينار». أما مريم فقد علّقت بتشنّج: «لم يعد في مقدوري أن أقضي عطلتي مع عائلتي في أحد الشواطئ الراقية. كنت أستأجر شقة بسعر مناسب أمضي فيها بين أسبوعين وشهر. أمّا هذا العام، فقد صدمت حقاً بالأسعار المرتفعة والتي ساهم فيها وصول آلاف الليبيين إلى بلادنا»، وتساءلت: «هل أصبحت ممنوعة من شواطئ بلادي؟». مستهلكون لا منتجون لكن ما يقلق التونسيين أكثر من أسعار الإيجار هو أسعار الخضراوات والفواكه والأسماك واللحوم وما شابه من مستلزمات البيت، التي شهدت غالبيتها زيادات كبيرة تزيد عبء التونسي وتثقل كاهله أكثر وأكثر. «حلّقت» الأسعار المرتفعة أصلاً صعوداً. وفي ظلّ وضع اقتصادي مضطرب وغير ثابت، يجد التونسي نفسه أمام خيار واحد وهو إمّا أن يشتري بالأسعار المعروضة أو أن يموت جوعاً هو وأفراد عائلته. وكتب الإعلامي عادل النقاطي في صفحته على «فايسبوك»: «نصف الليبيين في تونس (أكثر من 2,2 مليون نسمة) يتمتعون بصندوق الدعم التونسي منذ أشهر إن لم نقل منذ سنوات». ويواصل في السياق ذاته: «الصندوق عاجز ويأكل من ضرائبنا الكثير على حساب التنمية». واقترح النقاطي أن يساهم الليبيّون الوافدون في الصندوق باعتبار أنهم مستهلكون وغير منتجين، وذلك بضريبة أولى متساوية يدفعونها لدى عبورهم بوابات الحدود، ثم ضريبة أخرى متفاوتة وفق مدة الإقامة عند خروجهم، كذلك ضريبة تساوي شهر كراء (شهر عمل) على كل سنة كرائية (...)». واتفق كثر مع طرح النقاطي، كما يرى بعضهم أنّه يجب أن تكون الضريبة مضاعفة على الذين يقيمون في الأحياء الراقية في العاصمة ومدينتي سوسة والحمّامات الساحليتين. اللافت أن الليبيّين الذين تزايد عددهم في شكل كبير يشاركون التونسيّين في كل شيء بدءاً من الشقق والفيلات وحتى المنازل البسيطة وصولاً إلى استهلاك كل ما توفّره الأسواق الشعبية والفضاءات التجارية الكبرى ومحلاّت الماركات العالمية. وفي المقابل، لا يدفعون ضرائب مثل التونسيين على رغم أنهم يستفيدون ممّا يقترحه صندوق التعويض الذي يكلّف خزينة الدولة بلايين سنوياً. دارين سيدة ليبية مقيمة في تونس منذ اندلاع الثورة في بلادها، تؤكد أنها لم تصادف مشاكل «منذ قدومي مع بناتي الأربع إلى تونس». وتضيف: «نعيش كأي عائلة تونسية نستأجر بيتاً جميلاً في منطقة راقية شمال العاصمة، نتسوّق من أي مكان نريد، لا ينقصنا غير وجود زوجي الذي استشهد أثناء الثورة». وتذكر أنّها عادت مرتين فقط إلى بلادها منذ استقرارها في تونس لتسوية أمور مالية لا أكثر، مشيرة في سياق حديثها إلى أنّها لا تفكّر في العودة إلى هناك، وربما لن تعود أصلاً، خصوصاً أن بناتها اعتدن على الحياة في تونس وأجوائها. يُذكر أنّ وزير التربية فتحي جراي أوضح أخيراً أن هناك إمكانية لاستيعاب تلامذة ليبيين في المدارس التونسية الرسمية والخاصة، مؤكداً «ضرورة الوقوف إلى جانب الشعب الليبي ومساندته، لا سيما في الظرف العصيب الذي تمر به بلاده».