هل ستكون التحولات الكبرى والجذرية القائمة اليوم في البيئة المحيطة بجماعة الإخوان المسلمين مدخلاً لتحولات وتحديات كبرى تعيد تعريفها وصياغتها مرة أخرى؟ فهذا التراث السياسي والفكري والدعوي القائم على الشعور بالمظلومية والاضطهاد ومحاربة الإسلام لم يعد قائماً، والمشهد الإسلامي اليوم يبدو منظومة كبيرة وعملاقة، من المؤسسات المجتمعية الدعوية والدينية، والمنظمات الإسلامية الدولية والمحلية، والبنوك الإسلامية، والمراكز، والاتحادات والجمعيات، والروابط، والجامعات والمدارس، ومراكز الدراسات، والصحف والمجلات، والفضائيات، والمساجد، ومؤسسات التنمية والإغاثة، والمؤسسات الإعلامية من الصحف والفضائيات والإذاعات والإنترنت، والشركات الاستثمارية القائمة على الاتجاه الإسلامي، وفي مجال العمل الرسمي الإسلامي يمكن ملاحظة شبكة عملاقة من الجامعات والكليات ووزارات الأوقاف والمساجد ودوائر الإفتاء والمحاكم الشرعية والتعليم الديني... ما الفلسفة والأفكار والبرامج المتوقعة اليوم في مرحلة من السيادة والهيمنة الإسلامية؟ هل هي حالة موضع نظر وملاحظة لدى قادة الحركة الإسلامية وأعضائها وللإسلاميين والمتدينين بعامة؟ ما ذا يريدون ويتوقعون من مرجعيات للحكم والإدارة والتشريع والفنون والثقافة والحريات الفردية والاجتماعية، والتعددية السياسية والفكرية، والتنوع الثقافي والإثني والديني؟ كانت الحركة الإسلامية تبدو قوة سياسية تسند المجتمع والمعارضة، ولم يكن ثمة خشية أو أسئلة متعلقة بمواقفها من الحريات والثقافة والتنمية الاقتصادية وبناء الإجماع الوطني، لأنها كانت شريكاً مؤثراً أو معارضاً، ويبدو أن الحركة الإسلامية نفسها شغلت بالمعارضة السياسية أكثر مما شغلت ببناء رؤية وإجابات متعلقة بحالات كثيرة مؤجلة، واليوم تنهال أسئلة كثيرة ملحة ومحيرة عن مواقف الحركة وبرامجها المتوقعة، .. ويبدو أنها لا تملك إجابة محددة واضحة على كثير من هذه الأسئلة، أو أنها تملك إجابة عملية غير مبررة نظرياً أو تخشى في هذه المرحلة من مواجهة المؤيدين بالممكنات العملية لتطبيق/ عدم تطبيق مواقف تعليمات يراها أو يتوقعها كثير من الناس متوقعة وربما حتمية، وبخاصة مسائل الحريات الفردية والشخصية والعقوبات... هل سيطبق الإخوان المسلمون عقوبة قطع اليد بحق السارق؟ هل سيجلدون ويرجمون الزناة؟ هل سيفرضون الحجاب أو غطاء الشعر على النساء؟ هل سيمنعون الخمر ويعاقبون شاربها؟ هل سيجبرون الناس على أداء الصلاة والصيام ويحاسبون/ يعزِّرون المقصرين بالواجبات الدينية والمجاهرين بالمعصية؟ هل سيوقفون البنوك الربوية؟ هل سيحاسبون الناس على معتقداتهم ويقيمون حدود الردة على المرتدين/ الملحدين والمهرطقين والزنادقة؟ هل سيمنعون الموسيقى والغناء؟ هل سيمنعون الاختلاط؟ هل سيمنعون فنون الرسم والنحت والدراما والسينما والمسرح إلا ضمن قواعد من الحجاب وعدم الاختلاط؟ هل يسمحون بتولي المرأة مناصب سياسية وقيادية عليا؟ ما معنى الأسلمة وتطبيق الشريعة والدولة الإسلامية ومفهومها وحدودها؟ ما الحدود المسموح بها في العلاقة بين الرجل والمرأة؟ هل سيطلقون شرطة للاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتأكد من الالتزام بالشريعة والتعاليم الدينية وأداء الواجبات والامتناع عن المحرمات والمعاصي والآثام؟ وضمن تصنيف الخطاب الإسلامي الديني والمذهبي العام، أين سيدرج الإخوان المسلمون أنفسهم؟ هل هم أحناف رأيويون ماتوريديون أم أهل حديث سلفيون (حنابلة) أم وسط أشاعرة شافعيون؟ هل هم مدرسة دينية جديدة مختلفة؟ أم أنهم تيار سياسي اجتماعي متدين يشبه الحزب الديموقراطي المسيحي في أوروبا؟ الإخوان المسلمون بحاجة إلى إعادة تعريف أنفسهم باعتبارهم جزءاً من المشهد السياسي الحاكم والمؤثر، وأن يتخلوا عن جميع/ معظم الأفكار والفلسفات المؤسسة لتجربتهم، والكثير منها تنظر إلى الأنظمة السياسية والمجتمعات أيضا بأنها كافرة أو جاهلية، الجاهلية التي تعني الكفر في المحتوى والمضمون دون التورط في التكفير. * كاتب أردني