تميز مسلمو الهند بأنهم شديدو الرغبة في التاريخ والطبقات والسير، لهم مصنفات كثيرة فيها وغالبها في تاريخ الملوك والمشايخ الصوفية والشعراء وقد استكثروا في تشجيع الألفاظ والتأنق في العبارة مع إهمال ذكر العلماء والحكماء ومواليدهم ووفياتهم وذلك داء عضال جاؤوا به من بلاد خراسان وما وراء النهر وعلى العموم فأنهم اشتغلوا بهذا العلم أشد الاشتغال وصنفوا كتباً كثيرة بالفارسية والهندية وبعضهم بالعربية. وقد أحصى «العلامة عبد الحي الحسني (ت1923) في مؤلفه الهام [الثقافة الإسلامية في الهند الصادر عن مجمع دمشق العلمي عام 1958] المئات من عناوين تلك المؤلفات والمصنفات. وجل ما كتب مثقفو وعلماء الهند في التاريخ كتبوه بالفارسية، ووضعوا بها ما يفوق مائتين من الكتب التاريخية ويبدو أن اللغة العربية بما كان لها من فضل وسيطرة في أوائل عهود الإسلام كلغة الكتابة والتصنيف في الدين والعلوم والفلسفة على وجه العموم حتى داخل بلاد فارس وتركستان وأفغانستان، لم تنل من الإعجاب والتقدير ما نالتها الفارسية في الشعر والتاريخ. وهذا ما حدث في الهند أيضاً. وهذه الورقة تفي بعرض ذلك الإنتاج الهام من كتب التاريخ: 1- «تحفة المجاهدين» للشيخ زين الدين بن عبد العزيز ألمعبري (ولد في شعبان 873ه - 1468م في كوشني وفي كاليكوت حضره أجلة العلماء من البلاد العربية وكان موفور النصيب من التصوف وتوفى في شعبان 928ه - 1521م وله من الكتب والشروح: مرشد الطلاب، سراج القلوب وعلاج الذنوب؛ شمس الهدى، تحفة الأحباء؛ شعب الإيمان، شرح الإرشاد... وإرشاد العباد إلى سبيل الرشاد، طبع في مصر مرتين؛ المختصر في ذكر الموت وما بعده. طبع في مصر مرتين على حاشية كتاب الروض الفائق في المواعظ والرقائق للشيخ الزاهد عبد الله شعيب بن سعد ألقفصي) وهو كتاب يبحث في تاريخ الأعمال والإجراءات التي أتخذها برتكيز في مليبار من 1498 حتى 1581م. 2- الإعلام بأعلام بيت الله الحرام لقطب الدين أحمد بن علاء الدين أحمد النهر والي [أرتحل والده إلى الحجاز واستوطن مكة فولد هناك عام 1511م وعندما أتم دروسه في مكة سافر إلى مصر عام 1536م حيث ظل مكباً على المطالعة والدرس لدى علمائها، بعد ذلك عين كمعلم للعلوم الدينية في مكة ثم شغل مركز الإفتاء وتوفى 1582م] وكتابه هذا حافل بتاريخ مكة في مقدمة وعشرة أبواب. 3- البرق اليماني في الفتح العثماني [وكان المستشرق ويستنفلد قد رتب ونقح ذلك الكتاب، وعلى رغم أن المؤلف ولد خارج الهند إلا أنه من الذين يجري في عروقهم دم هندي] للنهر والي أيضاً ويتحدث عن الحوادث التاريخية التي وقعت في اليمن منذ بدايات القرن العاشر الهجري وحتى عام 979ه، وهو في ثلاثة أبواب وخاتمة. الأول يحتوي على 13 فصلاً في تاريخ ملوك اليمن منذ بداية القرن العاشر حتى غزو العثمانيين لليمن، والثاني يتضمن 37 فصلاً أيضاً في تاريخ اليمن منذ دخولها العثمانيين حتى أيام سليمان المشرع، والباب الثالث في 60 فصلاً تتحدث عن شؤون البلاد وأحوالها زمن السلطان سليم والخاتمة في 5 فصول عن تاريخ الأيام التي عاد فيها سنان باشا وفتح تونس. 4- «ظفر الواله بمظفر وآلة» كتاب في تاريخ كجرات لواضعه عبد الله محمد بن عمر النهر والي الأصفى المعروف بحاجي دبير في غضون عشر سنوات الأولى من القرن 17م [كان من رجال أواخر القرن العاشر وأوائل ق 11ه، ولد في مكة 1540م وأتى للهند في سن 16 ولا يعلم تاريخ وفاته غير أنه كان يحيى في 1611م] والكتاب في جزءين سماهما المؤلف دفتران، فالدفتر الأول في تاريخ الملوك المظفرين في كجرات منذ 799ه إلى 980ه = 1572-1306م وفيه أيضاً بحث عن تاريخ ملوك الدكن، الدفتر الثاني يتضمن التاريخ العام للحكومات التي قامت في شمال الهند منذ ق 12 حتى ق 16م. وكان المستشرق رنسن روز أول من أدرك ذلك المؤلف ونقحه ورتبه في 3 مجلدات مصدر أقل مجلد بمقدمة علمية وقال تعليقاً على الكتاب: «ستجده أكثر من كتاب في تاريخ الملوك بكثير وجل ما في المجلد الأول بعيد عن التاريخ منحرف عن السير والسوانح فقد يصل الكتاب بالقارئ من ناحية إلى فاتحة عهد الإسلام ومن ناحية أخرى يتقدم بقارئه إلى بداية القرن 17م. 5- «النور السافر عن أخبار القرن العاشر» لكاتبه محي الدين عبد القادر العيدروس من مدينة أحمد آباد، وهو من عائلة العيدروس اليمنية. غادر والده اليمن نحو الهند عام 1551 ونزل أحمد آباد وحيث وضع أبنه مؤلف كتابنا من أم هندية كانت جارية أهديت إلى أبيه من أحد تلامذته، وقد وضع ما يقرب من عشرين كتاباً، وكتاب النور السافر هو تاريخ ما وقع في القرن العاشر الهجري، حيث يذكر أدوار العلماء الذين يترجم لهم من ناحية حياتهم وفضلهم في العلوم والآداب مع إعطاء نبذه عن الجو السياسي والظروف المحاطة بالمجتمع كذلك، وبعد أن بدأ بتاريخ السيرة النبوية واصل كتابه من عام 1495 وأتمه إلى عام 1591، ومن بين العلماء الذين تحدث عنهم المؤلف: السخاوي صاحب كتاب الضوء اللامع، جلال الدين السيوطي ت 1506؛ أبن السويدا الذي لقبه السلطان محمود ملك الكجرات بملك المحدثين؛ أحمد بن محمد القسطلاني صاحب كتاب المواهب الدينية دائرة معارف السيرة النبوية؛ جلال الدين الدواني من أجلة العلماء في عصره، ابن الحجر الهيثمي شارح المشكواه ت1566؛ كما تحدث الكتاب في شؤون حضرموت وأحقاف وسبأ وإرم ذات العماد وأحوالها من ناحية التاريخ والجغرافيا وكذلك عن وقوع الزلازل في أرض عدن وحدوث الحريق فيها (1508م)، وتحدث أيضاً في مقالة عن القهوة. وفي مجال الكتابة في السيرة النبوية كان لعلماء الهند مجال واسع فذكر كتابان: 6- «إتحاف الحضرة العزيزة لعيون السيرة الوجيزة» لمحي الدين عبد القادر واضع كتاب النور السافر، وهو كتاب مقتضب في سيرة النبي وسير أصحابه (ص) وهو منقسم إلى جزءين وخاتمة، فالجزء الأول يبحث في سيرة النبي في أربعة فصول، والجزء الثاني يتكلم عن سيرة العشرة المبشرين في عشرة فصول. 7- «السيرة المحمدية» لواضعه كرامن علي بن فاضل محمد حيات علي. وهو كتاب ضخم في نحو 600 صفحة طباعة حجرية، وضع قبل ثورة الجنود على القواد بتعضيد من نظام حيدر آباد، وقد أهدى الواضع إياه إلى جلالته، واهتم المؤلف وراء تنقيب الروايات وفحص الحوادث التي أتى بها وأوردها في كتابه والجزء النهائي من الكتاب يحتوي على سير الخلفاء الأربع وسوانحهم. وفي قسم كتب السوانح وضع مثقفو الهند: 8- «الروض الناضر في من أسمه عبد القادر» لعبد القادر العيدروسي وهو كتاب في أحوال أولئك العلماء الذين سموا بعبد القادر ويبدو انه أول كتاب من نوعه، يتضمن سوانح 40 رجلاً من العلماء المسلمين بهذا الاسم. 9- «زهر الرياض وزلال الحياض» لحسن بن على بن شاد كام، وهو عربي أصلاً ولد في المدينةالمنورة ثم أتى الهند وهناك اتصل ببيت «نظام شاهي» في أحمد نكر حيث أصبح صهر الملك وبسقوط هذا البيت سقط معه حتى غادر الهند للمدينة ولكنه ما لبث أن رجع إلى الهند. وفاته مجهولة التاريخ لم تعلم بعد، وله غير هذا الكتاب كتاب آخر سماه «الجواهر النظامية» وأما كتاب زهر الرياض فقاموس السير والسوانح ضخم مرتب على ترتيب حروف الهجاء وأسلوب تحريره بسيط سهل ولو انه نوع من التأليف أو كخلاصة من المؤلفات المسبوقة كوفيات الأعيان وأمثالها، وهو يشتمل على نواحي التاريخ والجغرافيا واللغة والآداب. 10- «سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر» لكاتبه السيد على صدر الدين بن أحمد نظام موصوم المعروف بالسيد علي خان أو ابن المعصوم، والكتاب مثل كتاب النور السافر حلقة ثمينة من قسم السوانح والسير المختص بالشعراء بدأ بالثعالبي وانتهى بالرازي والأصفهاني، والحق أن كتاب سلافة العصر يعد كملحق لكتاب «ريحانة الالبا» للخفاجي المتوفي 1658م، والكتاب مرتب وفق ما يأتي: شعراء مكةوالمدينة، شعراء مصر وسورية، شعراء اليمن، شعراء العجم – العراق والبحرين، شعراء الغرب، فمجموع المذكورين في الكتاب من الشعراء 134 شاعراً ستة منهم هنود أو متصلون بالهند. 11- «الدرجات الرفيعة في طبقات الأمامية من الشيعة» للمؤلف السابق جمع فيه سوانح رجال بارزين من الشيعة منذ أوائل الإسلام إلى بدايات القرن ال11ه. وينقسم الكتاب إلى 12 طبقة، فالطبقة الأولى المتضمنة على أربعة مقدمات وبابين تبحث عن الصحابة والكتاب ما زال مخطوطاً ولا توجد منه سوى نسخة في برلين وهى كذلك مبتورة تحمل بين أوراقها الطبقتين الأولى والرابعة فقط. 12- «سبحة المرجان في آثار هندستان» للسيد غلام على أراد البلكرامي، والكتاب موزع على أربعة أبواب: الأول يبحث عن الشهادات من كتب التفاسير والحديث على فضائل الهند ومنزلتها الرفيعة، والباب الثاني يبحث عن سير رجال العلم من المسلمين ولمحات من حياتهم ويتضمن حوالي 43 شخصية بداية من ابن حفص ربيع تبع التابعين الذي ارتحل للسند وتوفي فيها عام 776م، ولمؤلف الكتاب مجلد آخر في نفس الموضوع كتبه بالفارسية سماه «مآثر الكرام» والباب الثالث في بيان المعاني والبلاغة، وذكر براعة اللفظ وجمال النظم، والباب الرابع والأخير فكان عن الحب من وجهة نظر العرب من ناحية ومن الاتجاه الهندي من ناحية أخرى. 13- ولموضوع الرحلات، هناك كتاب اخترناه للعرض لأنه يعود بالتقدير وبالاعتبار إلى الهند. كتبه الذي عاش أكثر أيام حياته في الهند ولو لم يكن هندياً. وسمى رحلته ب «سلوة القريب في أسوة الأديب» وهو السيد علي خان بن معصوم. وقد عرفناه آنفاً كواضع كتاب «سلامة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر» يصف فيه كل ما وقع له في رحلته من مكة إلى كولكندة والكتاب متاع جليل ينتفع به في ثلاثة اتجاهات: الجغرافيا والتاريخ واللغة، فبالنسبة للاتجاه التاريخي فيذكر الكتاب موجزاً من أحوال راجاوات الهند القدامى والديانة الهندوسية مقتبساً مما كتبه الأقدمون كالمسعودي وغيره، ونبذة من أحوال الملك همايون، طرفاً من أحوال العلماء العرب المتصلين بالبلاط الملكي، وصف احتفالات الناس بالمآتم وحدادهم أيام المحن في الدكن، وكذلك وصف الحفلة الملكية بمناسبة زواج هارون والمأمون أيام الدولة العباسية.