رأى ساغاستي (2003، ص 68) - أحد رؤساء التخطيط الاستراتيجي في البنك العالمي، ولجنة المستشارين في العلم والتكنولوجيا من أجل التنمية في الأممالمتحدة - أن برنامج فرنسيس بيكون الذي قاد الغرب على مدى 400 عام قد انتهى، وأن الحاجة ملحة إلى برنامج آخر. تتمثل الخصائص الرئيسة لبرنامج بيكون - الذي سطره في كتابه المعروف جيداً الأورجانون «القانون» الجديد - في إرشادات في تفسير الطبيعة في الطريقة والغاية والوسائل، أُضيف إليها فيما بعد خاصيتان أخريان هما: التقدم البشري غير المحدود، ومكانة الإنسان المركزية. شرح ساغاستي في مقالته طريقة بيكون العلمية الناجعة لإنتاج المعرفة، فالغاية من المعلومات التي تُجمع - بطريقة بيكون – تُستخدم في تحسين ظروف الكائن الإنساني وحياته. أما الوسائل اللازمة لتنفيذ برنامج بيكون فهي المؤسسات العلمية المدعومة من طرف الدولة. **** لكي ينجح البرنامج دعا بيكون إلى تدمير الأوهام التي تحدق بالعقل البشري، وتقيم العقبات في طريق المعرفة الحقيقية. وأياً كانت ترجمتها في العربية «أوهام أو أوثان أو أصنام» فإن المقصود منها هو الأخطاء التي يجب محاربتها بطريقة بيكون التي تتصدى لإمكان الوقوع في الخطأ. عدّد بيكون أربعة أوهام: الوهم الأول هو أوهام القبيلة، أي الأوهام التي تأتي من انتماء الإنسان إلى الجنس البشري وما يترتب عليه من استحسان ما ورثه نتجت من عدم تفتحه الذهني. وأوهام الكهف، أي المنظور الشخصي والتجربة الشخصية، والبلاهة الفردية التي تفضي إلى التحيز بدلاً من أن ترتفع عنه. وأوهام السوق، أي ضحايا الكلمات، أو ما سمي حديثاً بالشعارات التي تربط الكلمات بالأشياء وما يترتب على هذا من تضليل. وأوهام المسرح، أي خطأ المذاهب، ذلك أن مؤسسيها بنوا بناء ضخماً من لا شيء، وأغلقوا أتباعهم داخل هذا البناء الخرافي. لقد ترتب على هذا المشروع أن تخلى الإنسان عن التفسير التاريخي المرتبط بالغيبيات وأحل محلها الإنسان الذي يستطيع أن يعبر عن فكرته في التاريخ بما فيها السعادة في الحياة الدنيا، والتاريخ من حيث هو عملية مستمرة ومتواصلة لبلوغ السعادة الأرضية، فالتاريخ أولاً وأخيراً هو بشري. *** إن قواعد بيكون بسيطة. اختبر أفكارك بالتجربة والملاحظة، ثم ابن على الأفكار التي نجحت في الاختبار وتخلّ عن الأفكار التي فشلت. اتبع الدليل أينما قادك. شكك في كل شيء. أنت طريقة الكون لكي يعرف نفسه. احذر. لست وحدك أنت مَن تملك الحقيقة. عليك أن تعلم أن مشروع العلم تعاوني يمتد عبر الأجيال. اقبل هذه الشروط البسيطة وتملك الكون. *** نجح برنامج بيكون إلى حد لا يماثله برنامج آخر، لكن نجاحه من وجهة نظر ساغاستي هو الذي سبب انهياره، ذلك أن كل خاصية من خصائصه الخمس طُعنت من قبل التقدم العلمي والتكنولوجي كفيزياء الجسيمات، والتكنولوجيا الإحيائية، والعقل الاصطناعي، التي أعادت النظر في كل خصائص برنامج بيكون مبدّدة أفكاره عن وجود واقع يتفاعل معه الإنسان، وعدم توقف التقدم البشري، والطابع الفريد لفكر البشر إلى حد أنه لم يعد برنامجاً وظيفياً. * ناقد وروائي سعودي.