أثار الحكم في «محاكمة القرن» في مصر أمس غضب قوى شبابية لعبت دوراً رئيسياً في اندلاع الثورة التي أطاحت حكم الرئيس السابق حسني مبارك، فيما عبَّرت قوى سياسية رئيسية عن خيبة أملها. وعقب صدور الحكم بدقائق تدفق مئات النشطاء على ميدان التحرير الذي كان بؤرة الانتفاضة التي أسقطت مبارك مطلع العام الماضي، وأغلق متظاهرون غاضبون مداخل ميدان التحرير الشهير وسط القاهرة، وطافوا في أرجائه منددين بالحكم الصادر بحق مبارك ومطالبين بالقصاص. وصنع نشطاء قبراً رمزياً في الميدان من رمال وحجارة وضعوا به قطعة من الورق المقوى كتبت عليها كلمة «القصاص» ورسموا بطلاء أحمر ما يُفهم أنها بقعة دم، فيما علّق آخرون مشانق رمزية لمبارك ورجال نظامه. ورفع متظاهرون لافتات كتب عليها «الشعب يريد إعدام المخلوع»، وأخرى «يسقط يسقط حكم العسكر». وامتدت حالة الغضب إلى مدن مصرية عدة، منها السويس والإسكندرية، والأخيرة كانت الأكثر غضباً، حيث شارك مئات النشطاء في مسيرة رددوا خلالها هتافات مناوئة لمبارك والمجلس العسكري والقاضي أحمد رفعت الذي أصدر الحكم والنائب العام المصري. وهتف المشاركون في المسيرة «الشعب يريد ثورة من جديد» و «يا نموت زيهم ... يا نجيب حقهم»، في إشارة إلى ضحايا الانتفاضة. وأعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» المشاركة في التظاهرات مع كل طوائف الشعب المصري ضد «الحكم الصادم الذي صدر بحق قتلة شهداء الثورة» في إشارة إلى تبرئة مسؤولين أمنيين بارزين كانوا يحاكمون إلى جانب مبارك. وأعربت الجماعة في بيان عن «صدمتنا من هذا الحكم»، ودعت القوى السياسية إلى اجتماع عاجل للاتفاق على ما يجب اتخاذه تجاه الحكم الذي وصفته ب «الخطير». وانتقدت الجماعة ما اعتبرته «تقاعساً في تسليم أدلة الإدانة»، معتبرة أنه «تستر على الجرائم وإهدار لدم الشهداء وإعاقة لإقامة الحق والعدل ومنع القصاص من القتلة المجرمين وغل أيدي القضاة عن الحكم بالعدل». وأكدت أن نظام الرئيس السابق ما زال قائماً وأن «رأس النظام والداخلية فقط هما من سقط، أما بقية النظام كله فهو باق». وقالت: «على الشعب المصري أن يشعر بالخطر العظيم الذي يهدد ثورته وآماله ويهدر دماء شهدائه وتضحيات أبنائه». ورداً على سؤال حول ما إذا كانت جماعة «الإخوان» تدعو إلى النزول للميادين السبت للتظاهر احتجاجاً على الحكم، قال الناطق باسم الجماعة محمود غزلان ل «فرانس برس»: «نعم .. نعم»، مضيفاً: «إذا كان قادة الشرطة أبرياء فمن الذي قتل المتظاهرين». ووصف مرشح جماعة «الإخوان» لانتخابات الرئاسة محمد مرسي الحكم الذي صدر في قضية مبارك بأنه «هزلي». وطالب مرسي على حسابه على موقع «تويتر» ب «إعادة المحاكمة وتقديم الأدلة اللازمة للقصاص العادل». وفي المقابل، دعا الفريق أحمد شفيق المرشح للجولة الثانية لانتخابات الرئاسة وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك إلى «قبول» الأحكام القضائية التي صدرت. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن شفيق أكد في بيان انه «يحترم أحكام القضاء ويؤكد أن منهجه إذا ما حصل على ثقة الشعب سيكون هو احترام القانون وتعزيز استقلال القضاء وأنه كمرشح لرئاسة الجمهورية يؤكد إصراره على قبول كل حكم قضائي». واعتبر شفيق أن «تبرئة مساعدي وزير الداخلية الأسبق لا تعني القبول من جانبي بأساليبهم ولا طريقتهم في العمل ولم يكن أحد يتفق مع تصرفاتهم ومنهجهم المرفوض». وتابع: «أن درس 25 يناير هو القبول الكامل باحترام الدولة عموماً والشرطة خصوصاً لمبادئ حقوق الإنسان وحق المواطن في حرية التعبير والاعتراض في ضوء أحكام القانون». وأضاف: «نثق في أن الشرطة في شكلها الجديد ستكون خير عون للمجتمع في حفظ أمنه واحترام حقوق الإنسان، وهو ما يريده قوام الجهاز الأمني». وأكد أن «أي رئيس قادم للدولة لا بد أن يمعن النظر ويعي الدرس التاريخي وقد رأى أن رئيس الجمهورية السابق قد مثل أمام محكمة مصرية وينتظر حكم القانون عليه وإن هذا يعني أنه لم يعد أي شخص في مصر فوق أي حساب ومساءلة». وقال في بيانه: «ليس من حقنا أن نعلق على أحكام القضاء، لكن الحكم الصادر يعني أنه لا أحد فوق المساءلة إذا رأى القانون ذلك وأن جهات تطبيق القانون تحتاج إلى مزيد من الدعم لكي تتمكن من تطبيق العدالة على خير وجه». وحيا «ذكرى شهداء 25 يناير» مؤكداً أنه «سيوفر كل ما ينبغي من تكريم لذكراهم ولشد عضد أسرهم». واعتبر أن الأحكام في قضية مبارك «تنفي بالتأكيد أي ادعاء بأنه يمكن لأي مرشح لرئاسة الجمهورية أن يعيد إنتاج نظام حكم انتهى». من جهته، قال محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وصاحب نوبل للسلام والذي دعا لتغيير سياسي عقب عودته لمصر في عهد مبارك، في رسالة على «تويتر»: «النظام السابق يحاكم نفسه... مسلسل إجهاض الثورة مستمر بمشاركة القوى السياسية... يمهل ولا يهمل». وأثار الحكم غضب شباب الثورة، وحمَّلت حركة «6 أبريل»، في بيان، أعضاء المجلس العسكري مسؤولية «هذا الحكم المائع بسبب سكوتهم عن إتلاف الأدلة وتسترهم على الحقائق في شهادات المحكمة»، وأعلنت أنها ستستمر من أجل «تطهير الفساد» في مصر. ورأت أن «القاضي غازل أهالي الشهداء بوصف المتظاهرين بالسلميين الخارجين للبحث عن العدالة والحرية، وغض بصره عن دموع وآهات الأهالي المكلومين على أبنائهم بإعطائه البراءة لأساطين الداخلية السابقين الذين داوموا على التعذيب والتنكيل بكل من عارض أو فكَّر في معارضة النظام، وليس فقط من خرج يهتف سلمية». واعتبرت أن الحكم بمثابة «استكمال لمسلسل البراءة للجميع من ضباط ولواءات الداخلية ونفض أيديهم من أي مسؤولية عن قتل مئات الأرواح وإصابة آلاف ممن خرجوا ضد الظلم والقهر والسواد حسب ما قاله القاضي». أما «الجبهة الحرة للتغيير السلمي» فاعتبرت في بيان «هذا الحكم صادم للمشاعر وغريب في أسبابه القانونية ودوافعه». وفي ترومسوي (النروج)، نقلت وكالة «فرانس برس» عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون رفضها التعليق على الحكم على مبارك، وقالت إن هذا القضية تتعلق «بالمصريين ونظامهم القضائي وحكومتهم».