أطلق رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري أمس جرعة جديدة من التفاؤل بإمكان تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، بعد أسبوع من الجمود في المواقف إزاء تلبية مطلب بعض المعارضة الحصول على الثلث المعطل (الضامن) في الحكومة، وأقرن تفاؤله بتحرك علني وبعيداً من الأضواء لإيجاد صيغة ترضي الأكثرية والمعارضة. وتزامن تفاؤل بري الذي كان يتحدث بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان قبل الظهر، مع تزايد الآمال بخفض حدة التوتر بين قوات «يونيفيل» في جنوب لبنان وبين العناصر الحزبية والأهالي بعد حادث خربة سلم السبت الماضي، وبين إسرائيل ولبنان إثر اقتحام شبان من بلدة كفرشوبا الأسبوع الماضي الخط الأزرق لإزالة ساتر ترابي أقامته القوات الإسرائيلية في التلال المحتلة للبلدة. وحصلت الأممالمتحدة على تعهد من حركة «أمل» و «حزب الله» بعدم تسيير تظاهرة جديدة عبر الخط الأزرق نحو التحصينات التي أقامتها إسرائيل، لإزالتها، مخافة أن تتسبب بردة فعل أمنية إسرائيلية تضرب الاستقرار في المنطقة. وأكدت مصادر دولية ل «الحياة» أن الرئيس بري و «حزب الله» أعطيا إشارات واضحة بأنهما ينويان التهدئة على الحدود الجنوبية بعد أن كانت وصلت معلومات الى الأممالمتحدة بنية تسيير تظاهرة من مئات الأشخاص نحو تلال كفرشوبا المحتلة. وادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر أمس على أعضاء المجموعة المنتمية الى «فتح الإسلام» التي كان الجيش أوقف 10 من أعضائها قبل زهاء أسبوعين، وعلى 7 آخرين فارين، واتهم العناصر ال17 «بتأليف عصابة إرهابية للقيام بأعمال إرهابية ضد الجيش اللبناني والقوات الدولية وتزوير جوازات وحيازة أسلحة ومتفجرات». وبين ال7 الفارين زعيم التنظيم عبدالرحمن عوض وعبدالغني جوهر المتهم بالمسؤولية عن تفجير في طرابلس الصيف الماضي وأدّى الى استشهاد عدد من جنود الجيش، فضلاً عن المتواري أسامة الشهابي، كما ذكرت «الحياة» أمس. وقال مصدر أمني إن المجموعة التي أوقفتها مخابرات الجيش، كانت على صلة أيضاً بشخص يدعى «أبو مسلم» مقيم في اليونان وهو أحد مسؤولي «فتح الإسلام» ويتحرك انطلاقاً من هناك. واعتبر الرئيس سليمان أمس أن «شبكات الإرهاب والتجسس المكتشفة تدعونا الى تأليف الحكومة في وقت ليس بعيداً»، ودعا الى «صون وحدتنا الوطنية» وأن «تخرج من مفهوم الحصص والأرقام، معتبراً أن «بناء البلد على أسس ثابتة يتطلب التضحيات والتحاور من دون الاتكال على الخارج». وجاء كلام سليمان هذا بعد أن كان عبّر أمام غير جهة عن امتعاضه من استمرار الجمود في تشكيل الحكومة، رافضاً الصيغ التي تطرح بأن يسمي هو وزيراً محسوباً على حصته لكنه يلتزم موقف المعارضة بحيث تحقق الثلث المعطّل بهذه الطريقة، أي عبر ما اصطلح على تسميته «الوزير الوديعة» لدى سليمان. وكان سليمان رفض بدوره صيغة «الوزير الملك» الذي يسميه هو مع موافقة المعارضة عليه، مصراً على صيغة الوزير الشيعي المحايد المحسوب على حصته. وقالت مصادر مواكبة إن امتعاض سليمان من عدم الموافقة على تسميته وزيراً شيعياً محايداً من حصته هو قوله إنه إذا بقي الوضع على حاله فلا مانع لديه من أن يتفق فريقا الأكثرية والمعارضة على صيغة 19+11 (بدلاً من صيغة 15- 10 –5 أو 16 – 10 – 4) في توزيع الحصص لكن شرط أن يأتي الإعلان عن اتفاق كهذا من الفريقين. لكن هذا الأمر متعذر نظراً الى رفض كل منهما التسليم للآخر بحصة الآخر في هذه الصيغة، ونظراً الى استبعادها أي وزير لرئيس الجمهورية وإلغاء دوره. كما أن هذا الاقتراح يحرج المعارضة التي لم تطرح الى الآن مجتمعة، مطلب الثلث المعطّل في شكل علني بل أبقت عليه في إطار الاجتماعات المغلقة، وهو ما رفضه الرئيس المكلف والأكثرية وسليمان. ولفت النظر أمس قول الرئيس بري من القصر الرئاسي رداً على سؤال صحافي عن إصرار المعارضة على الثلث المعطل: «أين سمعتم ذلك وأين وجدتم إصراراً من المعارضة على هذا الموضوع؟ على العكس هناك كلام إيجابي واحد موحد من رئيس الحكومة أو المعارضة حول حكومة وحدة وطنية ومشاركة حقيقية». وعكس جواب بري التحرك الذي يقوم به في سعيه لإخراج التأليف من عقدة مطالبة «حزب الله» بالثلث المعطّل. وكان بري اجتمع ليل أول من أمس الى المعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين الخليل الذي كان التقى مطوّلاً ليل الاثنين الماضي الرئيس الحريري لعرض آخر الطروحات معه في شأن الحصص في الحكومة، من دون أن تتسرب أي معلومة عن اللقاءين سوى أن بري يسعى الى طرح أفكار للخروج من الجمود. وبقي الحريري على صمته، واكتفى بالقول أثناء ترؤسه اجتماعاً ل «تكتل لبنان أولاً» النيابي بعد ظهر أمس تعليقاً على ما نقل عن تفاؤل بري: «وأنا أيضاً متفائل بطبعي». وأكد التكتل في بيانه «ضرورة الاستمرار في الخطاب السياسي المسؤول ما يخلق بيئة ملائمة لتشكيل الحكومة». وإذ دان التكتل محاولات إسرائيل تعديل القرار 1701، بعد حوادث تلال كفرشوبا وخربة سلم، والانتهاكات الإسرائيلية، فإن أوساطاً عدة أخذت تسأل عن محاذير استمرار الوضع الحكومي جامداً في ظل المخاوف التي عبر عنها «حزب الله» وغير فريق محلي في المعارضة والموالاة، من إمكان قيام إسرائيل بمغامرة عسكرية حيال الحزب ولبنان في ظل تزايد التعقيدات في المنطقة. كما أن هذه الأوساط وجهت السؤال الى قياديين في «حزب الله» عما إذا كان تزايد الانتهاكات الإسرائيلية يشكل مقدمة لافتعال ذرائع من أجل القيام بعمل عسكري ضد لبنان فهل للمعارضة والحزب مصلحة في مواجهتها في ظل حكومة تصريف أعمال برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، إذا استمر الجمود في تأليف الحكومة؟ أم بحكومة أكثر تماسكاً برئاسة الحريري الذي أبدت المعارضة قبولاً به؟ وهل شبه الفراغ في السلطة التنفيذية مفيد في هذه الحال أم إن تماسك مؤسسات السلطة وحكومة وحدة وطنية أفضل؟ وكان بري اعتبر أن محاولة إسرائيل إثارة ما حصل في خربة سلم (الصدام بين الأهالي و «يونيفيل» وانفجار مخزن أسلحة) هو «إخفاء للقضم الجديد من إسرائيل لأرضنا في كفرشوبا».