على رغم الصيت الواسع الذي بلغه تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) حتى اليوم، واحتلاله الصدارة إعلامياً، ما زال كثير من حقائق وخبايا هذا التنظيم مجهولاً. لكن شبكة "فايس" الإخبارية استطاعت كشف بعض كواليسه، من خلال سلسلة وثائقية مصوّرة نشرت على أجزاء، وأظهر الجزءان الأخيران منها نواحي خفية من سلوك هذا التنظيم الإرهابي. كيف ينظر مقاتلو داعش إلى "دولتهم" وخليفتهم؟ لماذا يقاتلون؟ وكيف هي مكانة الأطفال في جيشهم؟ أسئلة تجيب عليها جولة مراسل القناة المخرج مَديَن ديرية مع المسؤول الإعلامي ل"الدولة الإسلامية" في الرقة، معقل "الدولة الإسلامية" في سورية، حيث مكث ديرية ثلاثة أسابيع. بيعة واستعراض لم يظهر أبوبكر البغدادي في الإعلام إلا مرة واحدة؛ في غيابه، يأتي المناصرون بسلاحهم إلى جامع "الفردوس" لمبايعة "الخليفة" أمام ممثليه، وفق طقوس تكشف لأول مرة. يقف الخطيب على المنبر قائلاً: "إمامكم (أبو بكر البغدادي) حسيني (نسبة للحسين بن علي بن ابي طالب) قرشي. وواجب علينا أن نحب أهل البيت، لذا عليكم نصرته بأموالكم وأنفسكم، وبكل ما تستطيعون... وبأبنائكم". فيردد الحضور من بعده "بسم الله الرحمن الرحيم، نبايع أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، أبي بكر القرشي". بين المبايعين طفل يبلغ من العمر 11 عاماً يقول إنه أتى من ريف حلب من أجل البيعة. المشهد ذاته يتكرر في أحد احتفالات "الدولة الإسلامية" على وقع أناشيد تهلل للخليفة: "أبو بكر يا بغدادي/ يا مرهب الأعادي/ حور الجِنان تنادي/ سجّلني استشهادي". يبدو الوضع في الرقة أكثر غرابةً وقسوةً من أي صورة متخيلة عن معاقل الإرهابيين. يتجول ديرية برفقة المسؤول الإعلامي ل"الدولة الإسلامية" في المدينة أبو موسى الذي يرتدي نظارات أميركية من نوع "راي بان" ويتحدث بلهجة خليجية. وتصور عدسة الكاميرا مسيرات سيارة ترفع السلاح وأعلام دولة "الخلافة"، وكذلك مرور آليات عسكرية ثقيلة ظفر بها المسلحون من معاركهم في سورية والعراق، قبل أن تؤدي دبابة مشهداً استعراضياً أمام الجماهير المحتشدة. وفي وسط المدينة، يستعرض التنظيم جثث 50 جندياً سورياً قُتلوا خلال الاشتباكات قبل سيطرة "الدولة الإسلامية" على مقر الفرقة 17 في الرقة، أما رؤوس الجنود، فرفعت على أعمدة سياج حديدي في إحدى الساحات. وفي خلفيات بعض المشاهد، تظهر "سيارة دعوية" توزع ملصقات بعد أن طلبها المسؤول الإعلامي لملاقاته، وتكسوها آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، إلى جانب ما يبدو كلوائح انضباط تحدد قواعد السلوك في الحياة، "نواقض الإسلام" مثلاً. وتبدو تأثيرات هذه التعليمات جلية في أفكار المقاتلين. يشرح أحدهم كيف أصبحت عائلته "آخر اهتماماته لأن هناك شيئاً أسمى"، مضيفاً: "لا نحب الحياة السعيدة، إنها تبعدنا عن الله". أهداف وأعداء في حزيران (يونيو) الماضي، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" عن تغيير اسمه إلى "الدولة الإسلامية". ولعل لإعلان قيام هذه "الدولة"، دلالات عدة وخطيرة جداً إذا ما نجح التنظيم بأهدافه. يؤكد أبو موسى أن تمدد التنظيم في البلدين المذكورين "ليس إلا البداية فقط"، فيما يتفق المسلحون على مقاتلة كل من يعتبرونه كافراً. يقول أحدهم موجهاً حديثه إلى الولاياتالمتحدة: "الخلافة الإسلامية قامت ولن نتوقف يا جبناء... سوف نرفع راية لا إله إلا الله فوق البيت الأبيض". ويهاجم مقاتل آخر عدواً مختلفاً يتمثل بالنظام السوري: "هؤلاء كفار، أعداء الدين، أعداء الإنسانية، نرجو من الله أن يمكننا منهم". ويهدد المسؤول الإعلامي بدوره تركيا التي قطعت مياه نهر الفرات الذي يمر وسط الرقة. "على الحكومة المرتدة أن تعيد حساباتها، وإلا فتحنا اسطنبول"، يقول أبو موسى. الأطفال... الجيش المقبل ويؤكد أبو موسى ما نقلته تقارير عدة للأمم المتحدة، صدر آخرها في 19 تموز (يوليو) الماضي،عن تجنيد "داعش" أطفالاً. ويشدد في هذا السياق على أهمية الأطفال بالنسبة لتنظيمه: "جيل الأطفال اليوم، هو جيل الخلافة الذي سوف يحارب المرتدين والكفار، زُرِعت فيهم العقيدة الصحيحة، ويحبون أن يقاتلوا في سبيل دولة الخلافة". ويشرح طريقة تعامل "الدولة الإسلامية" مع هؤلاء الأطفال: "من هو دون سن 15 يذهب إلى معسكر شرعي ليتعلم الدين والعقيدة، بينما الأكبر سناً يذهب إلى المعسكرات الحربية". لكن كلام طفل يبلغ 9 أعوام إلى مراسل "فايس"، يكشف حقيقة مزاعم أبو موسى، إذ يكشف الطفل أنه سيذهب إلى المعسكر "بعد رمضان من أجل التدريب"، لافتاَ إلى انه سبق وتعلم إطلاق النار من سلاح رشّاش. وبعد مشهد يظهر فيه مقاتلو داعش وهم يلاعبون الأطفال في نهر الفرات، يظهر من حديث أحدهم (يبدو أنه المسؤول عن السيارة الدعوية) أن الطفل سيكون أمامه خياران أحلاهما مر، إذ يسأل طفلاً عما يريد أن يصبح عندما يكبر: "مجاهد أو منفذ عملية استشهادية؟"، قبل أن يهتف أحد المنشدين "دولة الخلافة"، فيتابع الأطفال الهتاف: "قامت... دولة الخلافة قامت".