أُطلقت الزغاريد في رام الله أمس في استقبال النعوش الجماعية التي ضمت رفات 91 شهيداً تحرروا من «مقابر الأرقام» الإسرائيلية. وفور وصولها الى ساحة مقر الرئاسة في المدينة، أُجريت مراسم وداع رسمية لرفات الشهداء، قبل تشييعهم في مراسم شعبية، كلٌ في مخيمه أو قريته أو مدينته. ومع ساعات الصباح الأولى، أخذ الفرح يتسلل إلى المدينة حين شاعت أنباء عن تسليم رفات 91 شهيداً من «مقابر الأرقام» إلى السلطة الفلسطينية، قبل أن تتوجه شاحنات تحمل رفات 12 شهيداً منهم إلى غزة، وأخرى تحمل رفات 79 شهيداً إلى رام الله. ونشر ناشطون أخبار وصول الرفات إلى رام الله مرفقة بالصور على مواقع التواصل الاجتماعي، ليُفاجأ أهالي الشهداء الذين علموا من إعلانات سابقة أن رفات أبنائهم سيسلم بعد العصر. وقدمت عشرات العائلات من أنحاء الضفة الغربية إلى رام الله لاستقبال رفات أبنائها والعودة بها. وما أن ظهر رجال الأمن يحملون الجثامين على أكتفاهم حتى أطلقت النسوة الزغاريد وتهاليل الفرح. لكن الجروح التي اندملت مع الزمن عادت لتُفتح من جديد على فاجعة الفقد مع ظهور هويات الشهداء، كلٌ في نعشه الذي يحمل اسمه، خصوصاً أن غالبيتهم سقطت قبل سنوات قليلة أثناء «انتفاضة الأقصى». وكذا كانت الحال في غزة حيث شيّع الآلاف رُفات 11 شهيداً بمزيج من الفخر والاعتزاز والفرحة والزغاريد، فيما وصفت الحكومة إعادة الجثامين بأنها «انتصار جديد لإرادة هؤلاء الأبطال الذين ارتقوا دفاعاً عن شعبنا وأرضنا». وكان في استقبال جثامين الشهداء عند معبر بيت حانون (ايرز) شمال القطاع بعد الظهر، ذوو الشهداء وأصدقاؤهم وجماهير حاشدة وقادة فصائل وطنية وإسلامية. واصطف عشرات رجال الشرطة العسكرية في صفيْن متقابليْن أمام المعبر كي تمر التوابيت، فيما هلل المحتشدون فرحاً بعودة جثامين الشهداء إلى ذويهم بعد طول انتظار. وفي رام الله، قالت والدة الشهيد رمزي العارضة من مخيم طولكرم والدموع تنهمر من عينيها: «يوم لقائه أصعب من يوم وداعه»، علماً أن رمزي استشهد العام 2004 في اشتباك مسلح قرب مستوطنة مقامة على أراضي طولكرم. أما شقيقة الشهيد رائد مسك الذي سقط في اشتباك مسلح العام 2003، فقالت: «مشاعرنا مختلطة، نحن فرحون لعودة الشهداء، لكننا محزونون على فراقهم». وقال والد الشهيد سامح حماد من جنين إنه حفر قبر ابنه قرب بيته كي ينام على مقربة منه، مضيفاً أنه عاش السنوات الست الماضية في انتظار هذه اللحظة، علماً أن حماد سقط في عملية تفجير في تل أبيب عام 2006. أما عازم دراغمة، والد الشهيدة هبة دراغمة، وهي طالبة جامعية من طوباس استشهدت في هجوم في مدينة اسرائيلية العام 2003، فبدا فرحاً لأنه يستقبل ابنته التي ودعته صباح ذلك اليوم ولم تعد الى البيت، وقال: «غادرت هبة في الصباح وقالت لي: سأعود. لكنها لم تعد. الآن سأدفنها قرب جدها الذي توفي وهو ينتظر عودة جثمانها». وما أرّق عازم وغيره من ذوي الشهداء طويلاً أن أبناءهم لم يدفنوا حسب التعاليم الدينية، وقال: «الآن سأرتاح، سأدفنها كما أوصانا الله أن ندفن شهداءنا». ودأبت إسرائيل على احتجاز جثامين الشهداء الذين ينفذون هجمات عسكرية، في مقابر على الحدود أُطلقت عليها اسم «مقابر الأرقام». وقال منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء سالم خلة إن «إسرائيل أرادت من وراء هذا الاحتجاز معاقبة الشهيد ومعاقبة أسرته بحرمانها من وداعه بما يليق به». وأضاف: «أطلقنا حملة استرداد جثامين الشهداء لتكريمهم». وكانت الحملة نجحت في استرداد رفات شهيديْن عبر الطرق القانونية في السنوات الثلاث الأخيرة. وقال خلة: «عدد شهداء الأرقام يزيد عن 300 شهيد تم استرداد 93 منهم، لكن بقي أكثر من 200 شهيد، وسنواصل العمل حتى يعودوا جميعاً الى أسرهم لنقوم بدفنهم كما يليق بشهيد ضحى بروحه من أجل وطنه».