انهمرت دموع شخصيات رياضية سعودية معروفة داخل أروقة المحكمة الإدارية في محافظة جدة يوم أمس، بعد إعلان القاضي الحكم ببراءتهم من التهم الموجهة لهم على خلفية «كارثة السيول» التي ضربت المحافظة. جاء ذلك فور إعلان النطق بالحكم خلال جلسة عقدت يوم أمس للنظر في ملف القضية الذي اشتمل على ستة متهمين بينهم ثلاثة رؤساء لنادٍ شهير ورجال أعمال، إذ بدأت تلك الشخصيات ب «التهليل» و «التكبير»، وأصيب بعضهم بحالة هستيرية من البكاء. وسجلت أروقة المحكمة مشاهدات فرح وعناق حار مع بعضهم البعض بعد إعلان الحكم. وتضمن الحكم الذي صدر يوم أمس براءة ستة متهمين من قضية الرشوة وإدانة اثنين منهم بينهم رئيس ناد بالاشتغال بالتجارة وحكمت بتعزيرهم وذلك بدفع غرامة قدرها 10 آلاف ريال على كل واحد. واعترض المدعي العام على الحكم الصادر بشأن المتهمين الستة، وهم الأشهر في «كارثة السيول»، وقررت المحكمة تحديد ال29 من الشهر الجاري موعداً لاستلام نسخة من الحكم وتقديم الاعتراض خلال 30 يوماً من تاريخ تسلمه. من جانبه، أوضح محامي المتهمين الستة المحامي محمد المؤنس، أن المتهمين ليس لهم علاقة في «الكارثة»، ولا علاقة لهم بجرائم الرشوة، مشيراً إلى أن إعلان النطق بالحكم وتبرئة موكليه انتصار للعدالة بعد أشهر من الجلسات والمداولات في ملف القضية. وفتحت الجلسة القضائية يوم أمس بحضور المتهمين الستة في قضية رشى وتطبيق صكوك على أراضٍ خالية، إضافة إلى المدعي العام، ومحامي المتهمين المستشار القانوني محمد المؤنس، إذ أحضرت حقيبتان مملوءتان بملفات القضية إلى قاعة المحاكمة قبل البدء فيها. وسبق جلسة يوم أمس إنكار شخصية رياضية ورئيس ناد سابق جريمة الرشوة التي وجهها المدعي العام له، والتي تقدر ب60 مليوناً، إذ أكد أن المبلغ جاء وفق اتفاقات لدفعها للمتهم الخامس، مشيراً إلى أنه تم القبض عليه وتم إيقافه 30 يوماً رغم انتهاء إجراءات التحقيق، نافياً أن يكون له علاقة بكارثة سيول جدة. وتأتي هذه التطورات بعد مثول ثلاثة رؤساء سبق لهم رئاسة مجلس إدارة أحد الأندية في المنطقة الغربية أمام القضاء، إضافة إلى ثلاثة متهمين آخرين بينهم موظفون حكوميون ورجال أعمال في أولى جلسات المحاكمة لهم على خلفية كارثة السيول التي ضربت المحافظة. وواجه «المدعي العام» خلال الجلسات الماضية هؤلاء المتهمين بعدد من الأدلة والقرائن التي تدين المتهمين، أبرزها قيام رئيس نادٍ وهو أحد المتهمين بدفع مبالغ من حسابه الخاص تزيد عن 60 مليون ريال سُلمت إلى أحد المتهمين من القياديين البارزين في أمانة جدة «سبق أن رأس النادي» والوسيط الرياضي مبلغ 5.5 مليون ريال، فيما تسلم أحد المتهمين أيضاً - سبق أن ترأس النادي وهو مهندس شهير وعضو شرف رياضي - مبلغ 12 مليون ريال. وواجه المدعي العام أيضاً متهماً آخر بحصوله على 19 مليون ريال من ال60 مليون، إضافة إلى حصول متهم آخر على 12 مليوناً ونصف المليون، وتمرير منح عبر موظف حكومي سهل إجراءات منح أراضٍ، وتداول مصوراً جويا لأرض المطار القديم الذي سبق وأن صدر بشأنه أمر سامٍ يقضي بمنع المساس بها أو منحها، وقيام بعضهم باستغلال نفوذه لدى سلطة عامة بحصوله من أحد المتهمين على ميزة تمثلت في حصوله على 22 منحة أرض له ولأبنائه مقابل تسهيلات أخرى. وكانت هيئة الرقابة والتحقيق في منطقة مكةالمكرمة أحالت ملفات الستة المتهمين في كارثة سيول جدة إلى المحكمة الإدارية في محافظة جدة، وحررت لوائح اتهام ضدهم كافة بالرشوة على خلفية تورطهم في الكارثة، وأكدت حينها مصادر إلى «الحياة» أن المتهمين الذين جرت إحالتهم إلى المحكمة هم الأشهر في ملف الكارثة الذي يتم النظر فيه من جانب القضاء السعودي. وقدمت هيئة الرقابة والتحقيق في لائحة الاتهام التي قدمتها إلى المحكمة الإدارية عدداً من الأدلة والقرائن التي تستند إليها في اتهاماتها، مشيرة إلى أن أحد المتهمين (وهو رئيس نادٍ سابق) تسلم مبلغ خمسة ملايين ونصف المليون ريال على سبيل الرشوة من رجل أعمال ومهندس هما أيضاً شخصيتان رياضيتان معروفتان، وسلمت من طريق متهم آخر وهو رجل أعمال مقابل التوسط لدى موظفين في الأمانة لتطبيق صك تعويضي لأرض غير مملوكة، إضافة إلى إقرارات لبعضهم، وكشوف حسابات، واعترافات مصادق عليها شرعاً. وأوضحت أن هؤلاء المتهمين الستة مطلقو السراح بالكفالة وأن التهم التي طاولتهم هي الرشوة على الستة ما بين راشٍ ومرتشٍ ورائش (وسيط)، فضلاً عن تهمة الاشتغال بالتجارة العامة لموظفين حكوميين، وطلبت الرقابة والتحقيق محاكمة المتورطين طبقاً لأحكام المواد «1، 3، 10، 12، 15» من نظام مكافحة الرشوة، وكذا محاكمة المتهمين الأول والثاني وفقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى من المرسوم الملكي، المتعلق بالاشتغال بالتجارة من قبل موظف حكومي. وتنوعت التهم الموجهة ضد المتهمين في لائحة الدعوى التي رفعتها هيئة الرقابة والتحقيق ضدهم مابين جرائم تلقي رشى بمبلغ تجاوز خمسة ملايين ريال، وإساءة استعمال السلطة، والتزوير، والتفريط في المال العام، ومزاولة مهنة حرة، إذ وجهت الهيئة عدداً من التهم لمسؤول الأمانة (الموقوف عن العمل) تتضمن حصوله على رشى تقدر قيمتها الإجمالية ب5.6 مليون ريال نظير تواطئه في مشاريع عدة من بينها مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول في حي أم الخير شرق جدة. من جهة أخرى، أجلت المحكمة نفسها النطق بالحكم في قضية خمسة متهمين يعملون في برنامج مكافحة حمى الضنك في أمانة جدة متهمون بالحصول على رشى وإيداع مبالغ كبيرة في حساباتهم المصرفية إلى يوم الأحد المقبل، بعد أن تقدم المتهم الأول بمذكرة جوابية مكونة من ورقتين، إضافة إلى خطاب من وزارة العمل. وأنكر المتهمون الخمسة جميع التهم الموجهة إليهم، وصادقوا على أقوالهم التي ذكروها أمام ناظر القضية والتي تضمنت اعتراف مقيم من جنسية عربية خلال جلسة قضائية عقدت الأسبوع الماضي بتقديمه 10 من أجهزة الهاتف المحمول لموظفين في أمانة محافظة جدة يعملون في برنامج مكافحة حمى الضنك. وقال خلال الجلسة السابقة: «إنها ليست رشوة وإنما بطلب من أمانة جدة لاستخدامها في مصلحة العمل والأعمال التي تنفذها الشركة التي أعمل بها»، مشيراً إلى أنه تم تسليم الأجهزة في وقت الدوام الرسمي وداخل مبنى الأمانة». وكرر المتهمون الأربعة الآخرون عدم معرفتهم ببعض الفواتير التي عُرضت على الأدلة الجنائية والتي بدورها أصدرت تقريراً يفيد بأن الفواتير مزورة وأن خطي من كتباها مطابقان لخط المتهم الأول والثاني والبالغ عددها 23 فاتورة، واعترف المتهم الأول أنه وضع في حسابه خمسة ملايين ريال بتوجيه من الأمين السابق، وأن هذا الإجراء معتمد في الأمانة بوضع المبالغ في حساب الموظفين ويتم صرفها من طريق حساباتهم لمشتريات الأدوات والمعدات المستخدمة في مكافحة البعوض الناقل لحمى الضنك. وأكد المتهم الثاني وهو أكاديمي في جامعة الملك عبدالعزيز تم إعارته للأمانة لتقديم الاستشارات، أنه كان في حسابه الخاص مبالغ خاصة بالمكافحة أودعت بموجب نظام الأمانة وبتوجيه من الوزير وقد طلب منه ناظر القضية إثبات أن الأمين السابق اعتمد ذلك. وأشار ناظر القضية الدكتور سعد المالكي إلى أن ما ذكره المتهمون من إيداع المبالغ المالية والمخصصة لمكافحة «الضنك» مخالف للتعليمات والأنظمة الموضوعة في هذا الشأن.