«الكنيسة المصرية... توازنات الدين والدولة» عنوان كتاب هاني لبيب الصادر عن «دار نهضة مصر للنشر». وهو يتناول العلاقة الشائكة والملتبسة بين الكنيسة المصرية والدولة منذ ثورة 1952. يمثل الكتاب استكمالاً لمشروع فكري بدأه الكاتب قبل سنوات بكتاب «أزمة الحماية الدينية... الدين والدولة في مصر»، ثم بكتاب آخر حصل على جائزة الدولة التشجيعية بعنوان «المواطَنة والعولمة... الأقباط في مجتمع متغير»، وصولاً إلى كتابه الجديد الذي يتناول تفاصيل العلاقة بين الكنيسة كواحدة من أهم مؤسسات المجتمع المصري، وبين الدولة المصرية التي تقع الكنيسة تحت مظلتها الوطنية والسياسية. كما يتضمن الكتاب مناقشة العديد من القضايا الخلافية السياسية: جماعات الضغط السياسي، العلمانيون المسيحيون المصريون والقضايا الجدلية المسيحية – المسيحية، القضايا الجدلية الطائفية (على غرار بناء الكنائس وحرية العقيدة)، فضلاً عن العلاقة الملتبسة بين التيارات الإسلامية والمواطنين المسيحيين المصريين. ثم انتهت برؤية حول بعض القضايا المستقبلية: المشاركة السياسية للمواطنين المسيحيين المصريين، وقضية البابا المقبل. الكتاب مدعّم بالعديد من الشهادات والملاحق ذات الدلالة حول علاقة الكنيسة بالدولة. بالإضافة إلى العديد من الوثائق التي ينشر الكثير منها للمرة الأولى. تسير أفكار الكتاب في اتجاه بداية التفكير في نقد الذات، سواء في المؤسسة الدينية (المسيحية والإسلامية) أو الدولة المصرية، في شكل مراجعة للأفكار والتوجهات والمواقف، وذلك في إطار الاهتمام بالعلاقات بين المصريين (المسيحيين والمسلمين)، ورصد وتقييم العلاقة بين الكنيسة والدولة بوجه عام، اعتماداً على خبرات العمل الفكري والسياسي العام. يرى الكاتب أن الموضوعية تحولت إلى الكلام في العموميات، وأن (الذاتية) - أو تحديداً الاعتراف بالذاتية - من أقصى درجات الموضوعية، وذلك مع الأخذ في الحسبان أن الكلام السابق يقتصر على أصحاب الرأي الحقيقيين ممن لديهم القدرة على إنتاج أفكار جديدة، أي تلك النخبة التي تقوم بصناعة الأفكار، لا متخذو القرارات المبنية على تطبيق تلك الأفكار، فالفئة الأولى تهتم بمضمون الأفكار، والثانية بتطبيقها. وبالتبعية، يستبعد منهم من ينقل الأفكار لينسبها إلى نفسه بعد تعديل المقدمات والصياغات، ويستبعد أيضاً من يترجم أفكاراً ويقتبسها من دون أن يذكر ذلك، بعد أن تحولت (السرقة) إلى اقتباس، والنقل إلى ترجمة مشوهة. يطرح الكتاب فكرة مباشرة في معالجة العلاقة بين الكنيسة والدولة المصرية، حيث يرى أن الاعتراف بالذاتية هو أقصى درجات الموضوعية المتسقة مع الشخصية صاحبة الأفكار الحقيقية المرتكزة على خبرات عديدة وتجارب متنوعة. وهو ما يتعارض مع قاعدة تنتشر بين النخبة المثقفة هذه الأيام، وهي تعبير حقيقي عن موقفهم، بعد أن تحولوا إلى (الذين لا يقولون... ويزعجهم أن يقول لهم أحد لا... لا نوافق على رأيكم أو على ما تقولون...) حسبما جاء في إهداء الكتاب. يواجه الكتاب العلاقة بين الكنيسة والدولة من خلال النقد الحقيقي للمجتمع، والذي أصبح أمراً محظوراً وغير مباح، لأنه يتحول في الكثير من الأحيان إلى نقد شخصي ومهاترات، فالنقد المباح هو النقد الذي لا يوجه إلا في العموميات، والحذر كل الحذر من النقد الموضوعي البناء، لأن هذا من شأنه أن يضع من يقوم بالنقد تحت طائلة القانون بتهمة السب والقذف، بعد أن تحول المعتدلون من كل الاتجاهات الفكرية والسياسية والدينية في مصر إلى أقلية، لدرجة اعلان البعض في الطرف المسيحي المصري «الاستشهاد» في مقابل إعلان البعض الآخر في الطرف المسلم المصري «الجهاد». يطالب الكتاب بمعالجة قضايا الأزمات والتوترات الطائفية كملف سياسي ووطني بالدرجة الأولى، وليس كملف أمني بأي حال من الأحوال، ويدرجه ضمن أولويات الجمهورية المصرية الثانية بعد 25 كانون الثاني (يناير) 2011. لأن المعالجة الأمنية في نظر الكاتب، كانت السبب في تصاعد العديد من المشكلات بشكل تجاوز المشكلة الأساسية إلى أطراف اجتماعية أخرى، ما جعل المجتمع المصري بكامله يتحمل التداعيات.