بداية، دعوني أقل لكم إني كنت في يوم مشجعاً نصراوياً متحرقاً. أحببت هذا الفريق منذ الطفولة، واختلطت ألوانه الصفراء والزرقاء بلون دمي، كان فوزه كافياً ليرسم الفرح الوردي في عيني، وكانت خسارته كافية لتجعل هذا الفضاء الفسيح كثقب إبرة! ظللت معلقاً بحبال حب هذا الفريق ل20 عاماً بالتمام والكمال إلى أن قلت: هذا فراق بيني وبينك، اعتزلت حب هذا الكيان العريق لأسباب شتى، أولها: عجز النادي عن تعويض رحيل كبار النجوم والأساطير. ثانيها: استبداد إدارة الفريق وإنهاؤها مسيرة جل نجوم الفريق بطريقة مذلة ومؤسفة. ثالثها: ظهور القنوات الرياضية الفضائية ومشاهدة الدوريات الأوروبية التي جعلتني أخجل من مشاهدة النصر وبقية فرقنا المحلية. ما دفعني إلى كتابة هذا المقال شيء آخر مختلف. الآن، وعندما أتأمل أحوال نادي النصر المتهالكة، وأتصفح وجوه جماهيره الصابرة، واستمع إلى وأقرأ تصريحات مسؤوليه المتهافتة، أقول لنفسي: ألا تشبه أحوال هذا الكيان العريق أحوال هذه الأمة؟ كيف؟ وما وجه الشبه بين هذا وذاك؟ هناك نقاط مشتركة بينهما، سأكتفي بذكر ثلاث منها. ولو أني ملكت الشجاعة اللازمة والمساحة الكافية لأفضت واستطردت. أولاً: يحيل العربي والمسلم ما أصابه من خيبات ونكسات إلى ما يُعرف بالمؤامرة. ظل هذا العقل مرتهناً إلى نظرية المؤامرة لعجزه عن التفكير المنطقي والعقلاني، ولخشيته من مواجهة الذات ومحاسبتها، ولميله إلى إطلاق الأحكام المنمطة والمسبقة. ولكن، ما علاقة النصر بهذا كله؟ يعاني النصراويون كذلك، إدارة وجماهير، من تورم عقدة الاضطهاد، ومن الشعور الدائم بأن هناك من يتآمر عليهم في الخفاء والظلام، وينثر في درب فريقهم المسامير والأشواك. أخطاء الحكام البشرية ما هي إلا محاولة خبيثة لوأد الحلم الأصفر، وقرارات لجان الاحتراف الاعتيادية ما هي إلا مخطط شيطاني لكبح جماح فارس نجد الأصفر! ثانياً: لا أحد من الشعوب والأمم يبز «بني يشجب بن يعرب» في كثرة الخرافات ووفرة الغيبيات وسيطرة الجان وما خفي من كائنات. عندما يعجز العقل عن تعليل ظاهرة ما، أو تفسير حدث ما، فالجواب تجده عند السحرة والجن الأحمر والعفريت الأزرق. هذا عن المسلمين. وماذا عن النصر والنصراويين؟ عندما توالت على الفريق الهزائم، وتكاثرت عليه المتاعب، وناله ما نال من الظمأ للكؤوس والجوع للبطولات، قال مسيّروه في يأس وقنوط: «لقد تعبنا ومللنا. لا نعرف ما الذي جعل «العالمي» شائهاً وشاحباً وشارداً هكذا؟». وفيما هم حائرون ويتهامسون ويتساءلون، دخل عليهم رجال ممن يعرفون بسيماهم، فقالوا لهم: «إن ناديكم مسحور»، ثم أشاروا بأصابعهم وقالوا: «امسكوا بذاك الرجل الذي يجلب لكم كراتين الماء المسحورة»! اعتقدت لوهلة أن النصر تشافى وتعافى من السحر، ولكن الكرات الأربع التي زرعها لاعبو الأهلي في شباكه جعلتني أعتقد أنه لا يزال للسحر بقية! ثالثاً: يكره العرب والمسلمون، خصوصاً المؤدلجين من قوميين ومتأسلمين، الغرب كراهية عمياء. يحملون الغرب ما آلت إليهم أحوالهم من تشرذم وانحدار، ويدعون عليهم بالخراب والبوار آناء الليل وأطراف النهار، ويفرحون لما يصيبه من شر ووبال. ألا تذكرك علاقة العرب بالغرب بعلاقة النصر بالهلال؟ ألا ترى النصراويين لا يشغلهم في الدنيا من شاغل كما يشغلهم جارهم وشقيقهم الهلال؟ لو انشغل البيت النصراوي بشؤونه وهمومه، ونسي الهلال وأمره، لما تدهورت أحوال الفريق وتردت. عندما يلعب الهلال مع فريق ما، وليكن من كوكب المريخ أو عطارد، تجد النصراويين يصفقون للفريق الآخر!، وإذا ما لعب الهلال مع فريق ما، وجدت كثيراً من النصراويين يشاهدونها لعل وعسى أن تكون هناك ركلة جزاء مهداة للهلال أو هدف ملغى للخصم، ليخرجوا ويقولوا: ألم نقل لكم أن فريق «الزعيق» لا يفوز إلا بمجاملات التحكيم وهداياه؟! [email protected]