فتحت «هيئة مكافحة الفساد» الفلسطينية واحداً من أكثر الملفات غموضاً وجدلاً في فلسطين هو ملف المستشار الاقتصادي للرئيس الراحل ياسر عرفات العراقي الكردي محمد رشيد الذي انضم الى الثورة الفلسطينية، وحمل اسماً حركياً هو «خالد سلام»، وتولى إدارة الملف المالي لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لفترة طويلة من الزمن. وقدمت الهيئة في 29 الشهر الماضي «ملف فساد» بحق محمد رشيد الى «محكمة جرائم الفساد» التي وجهت اليه في الثامن من الشهر الجاري دعوة الى المثول أمامها في ثلاث قضايا مرفوعة ضده هي: الاختلاس الجنائي، والكسب غير المشروع، وغسل الأموال. وطلبت الهيئة من وزارتي الخارجية والعدل توجيه طلبات «تجميد أموال» و«تسليم» الى الدول التي يقيم فيها رشيد. ورد رشيد على هذه الاتهامات بالنفي وباتهامات ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مبدياً استعداده للمثول أمام «محكمة مستقلة» عن الرئيس، على حد قوله. ولاقى إعلان «هيئة مكافحة الفساد» عن توجيه تهم الفساد الى رشيد ترحيباً من هيئات مراقبة الفساد في الاراضي الفلسطينية، وإن حذرت هذه المؤسسات في الوقت ذاته مما وصفته ب «الإنتقائية» في تناول ملفات الفساد، معربة عن قلقها من استخدام محاربة الفساد لتصفية حسابات شخصية في السلطة الفلسطينية. وقال رئيس شبكة «أمان من أجل النزاهة والمساءلة» الدكتور عزمي الشعيبي ل «الحياة»: «نحن مع فتح كل ملفات الفساد القديمة والجديدة، لكننا نطالب بمعايير واضحة بحيث لا يستثنى أحد، ولا تستخدم لتصفية حسابات شخصية». واضاف أن الرئيس عباس أبلغ، بحضوره ممثلاً عن «أمان»، كلاً من رئيس هيئة محافحة الفساد والنائب العام ان عليهما محاربة الفساد، وأنه لا يعطي غطاء لأحد في السلطة مهما علت مكانته. غير ان الشعيبي قال ان «هناك قلقاً من أن الجهات التي تزود الهيئة والنائب العام المعلومات المتعلقة بالفساد لها حسابات خاصة في تناول ملفات دون غيرها». وأسست السلطة الفلسطينية «هيئة مكافحة الفساد»، ومحكمة خاصة للفساد قبل عامين. وقال الشعيبي ان الرئيس عباس بدأ بمحاربة الفساد بعد «تقرير غولدستون»، علماً ان جهات اتهمت الرئيس عباس بسحب التقرير الذي يدين إسرائيل بإرتكاب جرائم حرب في غزة، من أمام مجلس حقوق الانسان في مقابل منح ترددات لشركة الاتصالات الخلوية «الوطنية». وقال الشعيبي: «هذه الاتهامات كانت قاسية»، والرئيس بدأ إثرها حملة على الفساد. وأحالت الهيئة ملفات عدة على محكمة الفساد، بينها ملفات لوزيرين. وقال رئيس الهيئة رفيق النتشة ل «الحياة»: «إن عدد الملفات التي بحثتها الهيئة وأحالتها على المحكمة بلغ 35 ملفاً». واضاف ان أبواب الهيئة مفتوحة لأي شكوى بحق أي شخص مهما كانت مكانته، في حال توافرت المعلومات المدعمة بالوثائق. لكنه أقر بما تقوله المؤسسات الرقابية مثل «أمان» من أن غالبية المعلومات التي تصل الى الهيئة مصدرها السلطة الفلسطينية وأجهزتها. ويشكل ملف رشيد الملف الأكبر في عمل الهيئة، اذ تولى مسؤولية استثمارات الصندوق القومي لمنظمة التحرير لسنين طويلة. وبعد تأسيس السلطة عام 1994، تولى إدارة استثماراتها حتى عام 2001، وهو العام الذي تولى فيه الدكتور سلام فياض وزارة المال، وقام بتوحيد استثمارات السلطة في صندوق الاستثمار الفلسطيني. كما تولى رشيد ملف العلاقات بين السلطة والقطاع الخاص في عهد الرئيس الراحل ياسرعرفات، علماً ان جهات في القطاع الخاص وقفت ضد إجراءات اتخذها رشيد، خصوصا في مجال منح امتيازات لشركات معينة. وقال النتشة إن الملف الذي أعدته الهيئة ضد رشيد يتضمن تحويلات مالية قيمتها عشرات ملايين الدولارات، وتشكيل شركات للسلطة بإسمه وبأسماء أشخاص آخرين مقربين منه. واضاف: «نريد أن نعرف مصير هذه الاموال، فهي أموال للشعب الفلسطيني». وتابع: «عندما جاءنا رشيد الى الثورة لم يكن يملك فلساً، لكنه اليوم يدير شركات، فمن أين أتت هذه الشركات والأموال. هذا ما نريد أن نعرفه». ورد رشيد على هذه الاتهامات في تصريح مقتصب لموقع «إن لايت برس» قائلا: «أنا صبور، وليس الآن الرد على محمود عباس وأجهزته وأدواته، هو يعرف انني قادر على الرد بصورة يعجز فيها هو وجماعته عن تفسير الكثير الكثير للشعب الفلسطيني، ولقد ارتكب خطأ فادحاً عليه ان يتحمل تبعاته، لكنني أعطيت كلمتي لقناة العربية ان تكون حلقات الذاكرة السياسية التي سجلتها لها خصوصية في أسابيع العرض، وبعد ذلك سأتحدث. أما الجانب القانوني من الموضوع، فهو متروك للمستشارين القانونيين».