لا يجد الزائر للسوق وقتاً للإمعان والتبضع في ما تعرضه من بضائع، حتى تأخذه رائحة العطر الطبيعي، فيجد نفسه أمام أنواع النباتات العطرية الممثلة للبيئة المحلية من «الفل» و«الشذاب» و«الريحان» و«البعيثران»، و«الشيح» و«الكادي» بروائحها الذكية معروضة على البسطات المنتشرة في السوق ليستنشق الماضي عطراً وذكرى، فهي في أوراقها الصغيرة رائحة البساتين والقرى والسهول، تُجلب من الطائف والقرى المحيطة بها، ومن جازان وأبها وعسير، وحتى من اليمن حسب ما يروي البائع أيمن محمد، لتُحفظ في المحال الخلفية للسوق، إذ تحوي الثلاجات التي يُحفظ فيها الفل والنباتات العطرية الأخرى، وكلما كانت في برودة أكثر، كان عطرها فواحاً وأكثر انتشاراً حسب رأي باعته. وعن مدى الإقبال على النباتات العطرية، يقول أيمن إن أكثر زبائنهم إقبالاً وزيارةً للسوق من النساء، إذ يقبلن على شراء «الفل» لاستخدامه في الهدايا والمناسبات الاجتماعية كالأعراس والحفلات. وفي وسط السوق، تبدو عراقة محل بيع السمك المجفف ماثلةً للعيان بهيئته القديمة، فالزائر للسوق يشده قدم هذا المحل الذي مضى على بقائه أكثر من 40 عاماً، وما زال على حاله الأولى، وبطريقة لم تتغير في تجفيف السمك، حتى أصبح له الامتياز في ذلك، فزبائنه يأتون إليه من جدة ومن كل مناطق المملكة، لشراء السمك المجفف، الذي تقوم طريقته، حسب ما يروي حسين فاضل البائع بالمحل، بتجفيف السمك الطازج بعد تنظيفه و«تحليصه»، ووضعه تحت الشمس، ليصبح بعد ذلك جاهزاً للبيع مهما طالت المدة لبقائه مجففاً، فلا يضره ذلك، إنما هي الميزة التي جاء من أجلها المشتري الباحث عن النكهة الخاصة بهذه الطريقة القديمة في حفظ الأسماك. ويضيف: «إن أشهر أنواع السمك الذي يقومون بتجفيفه هو «الحريد» و«الشعور» و«البياض» و«الدراك»، ويسوق مثلاً قديماً عن تجفيف وتشريق اللحم بقصد حفظه، بأن الحجاج كانوا يشرقون اللحم بعد ذبح الأضاحي أيام عيد الأضحى المبارك، ولذلك سميت تلك الأيام بأيام التشريق حسب قوله. وترتص بجانب المحل مطاعم السمك التي تقدم أهم المأكولات الشعبية في مدينة جدة، كأكلة «المرسى» والأكلة الشهيرة المسماة «المطفي»، وهي عبارة عن سمك مطهو بالخضار والصلصة على الطريقة اليمنية. ومن أجلها لا يعبأ عشاقها بتكبد العناء وقطع المسافات الطويلة، من داخل جدة، وحتى من خارجها.