أرسلت ثمانية فصائل فلسطينية مذكرة إلى الوزير عمر سليمان والقيادة المصرية أوائل تموز (يوليو) الجاري تتبرأ فيها من نتائج الحوار الثنائي بين «حماس» و «فتح»، وتعرب عن قلقها من المنحى الخطير للحوار الذي يشكل في بعض جوانبه تراجعاً عما أنجزته جولات الحوار الشامل وما توصلت إليه اللجان الخمس المنبثقة من تلك الجولات. الفصائل اليسارية والديموقراطية الثمانية ختمت مذكرتها المعبرة والبالغة الدلالة (بعدما رفضت منطق القوة الأمنية المشتركة مع الاصرار على إعادة صوغ الأجندة الأمنية وفق أسس وطنية مهنية وغير فصائلية) على النحو الآتي: «نؤكد أن نتائج الحوار بين «فتح» و «حماس» لن تكون ملزمة لفصائلنا التي لا تقبل أن تكون طرفاً في أي اتفاق لا يضمن وضع حد فوري لواقع الانقسام المتمثل في وجود حكومتين وكيانين في غزة والضفة أو لا يوفر الضمانات لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها الدستوري المقبل المقرر في كانون الثاني (يناير) 2010، مع تأكيد أهمية اعتماد نظام التمثيل النسبي الكامل بنسبة حسم لا تتجاوز 1,5 في المئة». أتفق تماماً مع مضمون المذكرة الصحيح والصائب، غير أنني أختلف تماماً في ما يخص الجهة التي وجهت اليها هذه المذكرة. ومع كامل الاحترام والتقدير للجهد المصري، فإنني اعتقد انه كان يجب توجيهها إلى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وشرح مضمونها وأهدافها وإيجاد تكتل جماهيري شعبي حولها يؤدي، في نهاية المطاف، الى وضع حد للاستقطاب الثنائي الحاد بين «حماس» و «فتح» والتحكم بالقرار والمصير الوطني من جانبهما. مصر تعي تماماً الواقع الفلسطيني الداخلي الذي يبدو غائباً للأسف عن بعض الاطراف الفلسطينية التي تعيش حالة انفصام عن هذا الواقع، وهي تعرف حتماً أن 85 في المئة من الجمهور الفلسطيني صوّت ل «حماس» و «فتح» في الانتخابات الماضية، وفق النظام النسبي، علماً ان نمط تصويت الدوائر لم يختلف سوى في شكل طفيف، حيث حازت «حماس» و «فتح» معاً على 80 في المئة تقريباً من اصوات الناخبين. ومصر تعي أيضاً أن «حماس» و «فتح» هما القوتان المؤثرتان والمتنفذتان في الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج، في غزة والضفة، على حد سواء، ولا يمكن عملياً إنهاء الانقسام وإعادة ولو الحد الأدنى من التماسك الوطني سوى بتوافق الحركتين الكبيرتين. أما موافقة الآخرين فلا تعدو كونها شكلية أمام التأثير الجماهيري الكبير ل «حماس» و «فتح». ومصر تفهم كذلك أن قدرة الفصائل الأخرى على التأثير العملي في أرض الواقع الفلسطيني هي شبه معدومة تقريباً. فالفصائل الثمانية مثلاً عجزت عن التوحد في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية - خاضتها بخمس قوائم -، والشيء نفسه سيحدث غالباً في الانتخابات المقبلة. كما انها عجزت عن منع ما تسميه عن حق بالمحاصصة ثم الاقتتال بين «حماس» و «فتح» بعد اتفاق مكة، أو اتفاق المحاصصة بحسب رأي تلك الفصائل. وهي تطالب بالنظام النسبي الكامل عن حق أيضاً مع انها لا تملك الثقل الشعبي اللازم حتى لتجاوز نسبة الحسم المتدنية التي تطالب بها، أي الواحد ونصف في المئة، علماً ان البعض منها حاز نصفاً في المئة فقط في الانتخابات التشريعية الأخيرة. لكن على رغم المعطيات السابقة، يؤمل أن يمثل إرسال المذكرة جزءاً من نشاط سياسي يندرج في اطار تصور أوسع يأخذ في الاعتبار ان العمل الجدي والجاد انما يجري في الساحة الداخلية وباتجاه الشعب الفلسطيني لمنع الاقتتال وكسر الاستقطاب، وبالتالي إنهاء الانقسام وفرض المصلحة الوطنية العليا. وهذا ما لا يتم بغير حشد الجماهير وراء تلك الأهداف النبيلة وخلق رأي عام شعبي ضاغط على «حماس» و «فتح» للقبول بالاحتكام إلى الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة لوضع حد للحال المزرية والكارثية سواء في غزة أو الضفة الغربية، مع العمل في سياق خطة بعيدة المدى لإيجاد تيار ثالث في الشارع الفلسطيني ضدّ المحاصصة وضدّ الاقتتال، علماً أن المشهد الفلسطيني منذ فشل الحوار في تشرين الثاني (نوفمبر) مروراً بحرب غزة حتى جولة الحوار الثنائية الأخيرة، يظهر أن ثمة فصائل عسكرية صغيرة تمثلها سياسياً حركة «حماس»، وثمة فصائل صغيرة تمثلها سياسياً حركة «فتح» والرئيس محمود عباس. تدل إلى ذلك بيانات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير البائسة والعديمة الجدوى. فوحدها الجبهة الشعبية نجحت في التمايز شكلاً ونظرياً عن هذا المشهد مع قدرة محدودة على التغيير وترجمة الموقف النظري الى واقع سياسي ملموس. فلا بد من الإقرار أولاً بالواقع الراهن ثم العمل على تغييره، وهذا يقتضي بالضرورة أداء أكثر شفافية وديموقراطية وانفتاحاً داخل الفصائل نفسها التي تعاني اهتراء وضموراً تنظيمياً داخلياً. * مدير مركز شرق المتوسط للإعلام