لا يحجب تبادل رسائل الود بين رئيسي المجلس النيابي اللبناني نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، وإن كانت بوتيرة عالية من الأخير، الأنظار عن طبيعة الأزمة الصامتة بينهما انطلاقاً من شعور الأول بأن الحكومة «مكربجة» وتراوح مكانها بعد أكثر من سنة على تأليفها من دون ان تحقق ما وعدت به في بيانها الوزاري. وينقل زوار بري عنه قوله إنه لعب دوراً في تسريع تأليف الحكومة، وإنه كان وراء تنازل الشيعة عن حقهم في الوزير السادس لمصلحة الطائفة السنية رغبة منه في تسهيل مهمة الرئيس ميقاتي وتعزيز الحضور الطرابلسي فيها. ويؤكد انه كان وراء إيجاد المخرج لتمويل المحكمة الخاصة بلبنان وإن هذا المخرج «أعد هنا في عين التينة» وبادر رئيس الحكومة الى تبنيه لقطع الطريق على إقحام لبنان في صدام مع المجتمع الدولي يمكن ان يرتب ردود فعل سلبية تستهدف الحكومة في الشهور الأولى من ولادتها. ويسأل بري: «من أوجد الحل لمشروع الكهرباء؟» ويقول ان البرلمان تدخل في حينها لإنقاذ الحكومة من ورطة في داخلها بسبب الاختلاف عليه... كما يسأل عن الملابسات التي أدت الى رفض وزير العمل آنذاك شربل نحاس التوقيع على قانون تصحيح الأجور وبدل النقل وكيف أنه أوجد المخرج لدى تدخله المباشر مع رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون الذي أبدى كل مرونة وتجاوب ما اضطر نحاس الى الاستقالة وإحلال الوزير سليم جريصاتي مكانه؟ ومع ان بري لم يدخل في سرد تفاصيل الدور الذي لعبه في تفكيك الألغام التي كادت في أكثر من مناسبة تفجر الوضع في الحكومة، ولا تعاونه مع قيادة «حزب الله» التي ساعدت على إيجاد الحلول للمشكلات العالقة لا سيما تلك المتعلقة بالوزير نحاس... فإنه في المقابل يأخذ على رئيس الحكومة تردده وعدم حسم أمره خصوصاً في ملف التعيينات الإدارية. ويؤكد العلاقة الطيبة التي تربطه بميقاتي على المستوى الشخصي، لكنه يغمز من قناته محملاً إياه مسؤولية الجمود القاتل الذي تعاني منه الحكومة التي يعتقد انها أصبحت «مهترئة». أما في شأن قانون الانتخاب الجديد، فيؤكد بري انه مع جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس اعتماد النظام النسبي ويقول ان لا مانع لديه من اعتماده على المحافظات بعد إعادة النظر في التقسيمات الإدارية. ويعتقد بري، كما ينقل عنه زواره، ان اعتماد النظام النسبي يدفع في اتجاه الاعتدال في الخطاب السياسي وتحقيق الانصهار الوطني وتنفيس كل أشكال الاحتقان المذهبي والطائفي لأن كل طائفة تشعر بأنها في حاجة الى الأخرى.لكنه يستدرك قائلاً ان لقانون الانتخاب قوة معنوية ميثاقية ما يعني ان هناك رغبة في أن تتوافق الطوائف عليه، ومن جهتي أتردد في تأييد أي قانون يقابل برفض من أصغر طائفة في لبنان. ويضيف: «لا أحد يتنكر لهواجس ومخاوف البعض ما يتطلب منا ان نأخذ بها ونتعاون لتبديدها مع أن أي قانون انتخاب لا يمكن أن يرضي كل اللبنانيين وعلينا ان نؤمن تأييد الغالبية العظمى منهم له. ويتابع بري، وفق زواره، «ان الطائفة الدرزية الكريمة قد لا توافق بمكوناتها الرئيسة على النظام النسبي وترى ان هناك حاجة للإبقاء على قانون 1960 فكيف إذا كان الصديق وليد جنبلاط على رأس الذين يعارضون مثل هذا القانون؟». لتحسم الحكومة امرها ويؤكد بري انه «آن الأوان للحكومة ان تحسم أمرها لأن علينا وعليها مسؤولية ايجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية المطروحة»، مضيفاً ان «عتبي على الرئيس ميقاتي يكمن في أنه لا يقول ماذا يريد وما لا يريد وبالتالي يبقي على الأمور معلقة في ظرف نحن في أحوج ما نكون لتسيير عجلة الدولة وإخراجها من الحيرة والجمود في آن معاً. وكنا على وشك التوصل الى تسوية للإنفاق المالي لكن الفريق الآخر أخل به، في اشارة مباشرة الى تحميله قوى 14 آذار مسؤولية تطيير النصاب في الجلسة التشريعية الأخيرة. ويذكر بري بأنه كان أول من شجع على سياسة النأي بلبنان عن الأزمات التي تشهدها المنطقة، لكنه يرى ان من «غير الجائز للحكومة ان تنأى بنفسها عن مشكلات اللبنانيين الاجتماعية». ويرفض ميقاتي من جهته، الدخول في سجال مع بري، ويحرص على الصداقة التي تربطه به، ويرفض الانجرار الى أي اشتباك سياسي مباشر مع أطراف في حكومته، لكنه أخذ يلوح أخيراً بأنه سيخرج عن صمته وسيقول كل شيء في وقته المناسب وبعد استتباب الأمن في طرابلس. ولا يبدو أن ميقاتي سيدخل في اشتباك سياسي مع «صديقه» بري، لكنه يشدد على انه لم يعد يحتمل، وأن صدره ضاق من المزايدات عليه. وينقل عنه زواره انه لن يسكت عن الهجوم الذي يتعرض له من حين الى آخر، لكنه يترك لنفسه اختيار الوقت المناسب للدفاع عن نفسه. وكان بري ابدى امام النواب في لقاء الاربعاء امس ارتياحه للإجراءات «التي اتخذها ويتخذها الجيش اللبناني في طرابلس»، مجدداً دعوة الجميع الى «تسهيل مهام المؤسسة العسكرية التي أجمعت الاطراف على انتشارها لحفظ الامن والاستقرار في عاصمة الشمال». وقال: «لولا تدارك الوضع وحكمة القيادات الطرابلسية، لكانت الامور تفاقمت وأدت الى نتائج لا تحمد عقباها». وأكد ان «لائحة استهداف عدد من القيادات والشخصيات السياسية من قبل جهات متطرفة، جدية وخطيرة وتستدعي المتابعة واليقظة». واستقبل بري الأمين العام ل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» احمد جبريل على رأس وفد من الجبهة، في حضور عضو المكتب السياسي لحركة «امل» محمد جباوي، وتم عرض التطورات على الساحتين العربية والفلسطينية.