منح 60 في المئة من نحو 176 مليون ناخب أندونيسي ثقتهم الى الرئيس سوسيلو بابانغ يودويونو، ومددوا ولايته خمسة أعوام أخرى. وحين انتخب في 2004، كان الإرهاب المحلي يعيث فوضى في البلاد، والقرصنة تتهدد مضيق ملقة، والاقتصاد يتخبط في الأزمة الآسيوية التي تجر أذيالها منذ 1998. وأما اليوم، فأندونيسيا إحدى أكثر الدول الديموقراطية حيوية واستقراراً في جنوب آسيا. ويتوقع ان ينمو اقتصادها، في 2009، 4 في المئة. وبينما انهارت أسواق الأسهم في دول أخرى قريبة أو بعيدة، بلغ ارتفاع مؤشر سوق أسهم جاكرتا 50 في المئة. ودعت «مورغان ستانلي» الى احتساب اندونيسيا من الدول الناشئة الكبيرة الى البرازيل وروسيا والهند والصين. وعاد انخفاض أسعار النفط والغذاء العالمية على حملة الرئيس بالنفع. وهو وقّت بعض المعونات الى الفقراء مع الانتخابات. فتغاضى الناخبون عن مكمني ضعف في سيرته السياسية: الأول انخراطُه في الحياة السياسية في عهد الديكتاتور الراحل سوهارتو، والثاني مشاركته النظام السابق بعض المعوقات التي أقعدته وكبّلته. ويقضي الإنصاف بالإقرار للرئيس يودويونو بدوره في ترسيخ انتقال اندونيسيا من الأوتوقراطية الى ديموقراطية مزدهرة تتمتع بصحافة حرة، وأحزاب متنافسة، وانتخابات حقيقية. ولكن اندونيسيا لا تزال في المرتبة 126 على لائحة الفساد، من 180 دولة. ولا تزال بطانة سوهارتو العسكرية والمالية تسيطر على معظم مرافق البلاد الاقتصادية. والوجوه السياسية الجديدة قليلة ونادرة. ولا يتوقع مراقبون بارزون إنجاز اندونيسيا طفرة اقتصادية، على شاكلة طفرة الهند. وينبغي انتظار الانتخابات الرئاسية بعد 5 أعوام. واختار منافسا يودويونو نائبين لهما جنرالين من رجال النظام السابق تورطا في الفساد والقمع. والرئيس نفسه جنرال من عهد سوهارتو. وحملته تجربته على نشدان التوافق والإجماع فوق ما حملته على الحسم. فوسعه تجنيب الديموقراطية الفتية عثرات باهظة الثمن. فأقنع قيادة القوات المسلحة بترك التورط في الأعمال والأنشطة الاقتصادية لقاء تجنيب الضباط المحاسبة الصارمة. وورث الرئيس ذيول أزمة 1998، وهي قلّصت الاقتصاد الأندونيسي 25 في المئة من حجمه. وورث بنية تحتية هزيلة. فالطرق السريعة في الأرخبيل الذي يبلغ عدد جزره المأهولة 6 آلاف جزيرة، ولا يقل عرضه عن عرض الولاياتالمتحدة، لا يزيد طولها عن 608 كلم. وتقيد قوانين البناء المحلية، ومشكلات التملك، حركة البناء العقارية. وعلى البلاد تحسين قدرتها على إنتاج الطاقة 11- 12 في المئة في السنة، وليس 9 في المئة على ما تلحظ الخطة، إذا شاءت إنجاز نمو يبلغ 6 في المئة، وليس 9 في المئة، على ما وعد الرئيس المنتخب. واقتضت استمالة العمال الى التكتل الذي أطاح سوهارتو إقرار تعويضات صرف من العمل كبيرة. والمقارنة بين التعويضات الأوندونيسية وبين نظيرها الصيني والفيتنامي ترجّح كفة البلدين في ميزان الاستثمار الأجنبي. والاستثمارات الأجنبية في أندونيسيا لم تتعدّ بليوني دولار السنة الماضية، نظير 7 بلايين في تايلندا. وهذه عدد سكانها اقل 4 أضعاف من عدد سكان اندونيسيا. ولم يفلح يودويونو في معالجة نزعة عصبية قومية تخلفت عن عهد سوهارتو، وحالت بينه وبين سن قانون تعدين جديد لا يدمغ المستثمرين الأجانب، ويثير الحفيظة والنعرة المحليتين عليهم. فبقي قطاع الموارد التعدينية من غير استثمار، واقتصر نموه، في 2008. وكبحت ذكريات أزمة 1998 وذيولها الميل الى الإنفاق العام. فأصر الرئيس على ألا يزيد عجز الموازنة عن 2.5 في المئة (نظير 4 في المئة في الصين)، وعلى تمويل سلة الحوافز الاقتصادية، البالغة 6.3 بليون دولار، من الاقتطاع الضريبي. ونسبة الدين الأندونيسي من الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 30 في المئة، وهذا إفراط في الحذر، على ما يذهب إليه فان روزنبرغ، المستشار المالي بجاكرتا. وبلغت مخصصات التحفيز المتخلفة عن الموازنات العادية. وعيّن يودويونو في وزارة المالية وزيرة مقتدرة وصارمة هي سري مولياني. فقاضت وزراء ونواباً وسفراء وكبار الموظفين. وحالت دون إنقاذ شركات متهاوية ونافذة. ولكن الرئيس لم يحسم علاقات بعض كبار السياسيين والأثرياء بأحزاب حليفة اضطر الى الائتلاف معها. ويتوقع ان يُحسم امره غداة فوز حزبه ب26 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات نيسان (ابريل)، وكانت حصة الحزب 10 في المئة. ومن القرائن الإيجابية على حراك سياسي يؤيده الرئيس بلوغ نسبة النواب الذين يفوزون بالنيابة للمرة الأولى 60 في المئة من نواب المجلس التشريعي. * صحافية، عن «نيوزويك» الأميركية، 21/7/2009، إعداد وضاح شرارة