أ ف ب - واصلت اليونان المنهكة أمس، جهودها في سبيل تشكيل حكومة ائتلافية لتفادي العودة إلى صناديق الاقتراع في حزيران (يونيو) المقبل، وسط ضغوط المسؤولين السياسيين الألمان الذين نفد صبرهم ولم يعودوا يخفون رغبتهم في رؤية أثينا خارج منطقة اليورو. وأقر زعيم أهم حزب يوناني انتونيس ساماراس (حزب الديموقراطية الجديدة اليميني) أمام ما بقي من مجموعته البرلمانية، بأنه لن يكون من الممكن تشكيل أي حكومة من دون موافقة مجموعة اليسار المتطرف «سيريزا» المعارضة لإجراءات التقشف والتي أصبحت بعد انتخابات الأحد الماضي ثاني أكبر حزب ممثل في البرلمان. وواصل السياسيون اليونانيون، الممزقون بين التزامات التقشف التي قطعتها البلاد لمقرضيها ونتائج انتخابات الأحد التي ترجمت رفضاً كاملاً لجهود التقشف، البحث عن صيغة اتفاق حد أدنى لتشكيل حكومة حتى لو أتت هشة (راجع صفحة 12). وعكست بورصتا طوكيو وباريس قلق المستثمرين من احتمال خروج سريع لليونان من منطقة اليورو وآثار ذلك. وفي أثينا استأنف زعيما حزب «باسوك» الاشتراكي ايفانغيلوس فينيزيلوس وحزب «الديموقراطية الجديدة» اليميني انتونيس ساماراس، الراغبين بأي ثمن بالدفاع عن بقاء اليونان في منطقة اليورو على رغم هزيمتهما الانتخابية، مفاوضات مهمة لتشكيل حكومة وذلك بعد تقدم طفيف أحرز الخميس بهذا الاتجاه مع حزب «اليسار الديموقراطي» الصغير. وتباحث الزعيمان لمدة نصف ساعة قبل لقاء في المساء بين فينيزيلوس وزعيم اليسار المتطرف أليكسيس تسيبراس. واقترح فينيزيلوس تشكيل حكومة من شأنها أن تبقي البلاد في منطقة اليورو من جهة وضمان «أن يتم التجاوز في غضون ثلاث سنوات» لبرنامج النهوض المملى على أثينا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ولم يوضح زعيم الحزب الاشتراكي محتوى كلمة «تجاوز» التي أبقاها عمداً غامضة حيث أن التوتر بين الأحزاب يتمحور تحديداً حول مذكرة اتفاق وقعتها أثينا مع مقرضيها. ويؤكد اليسار المتطرف أنه يريد إنهاء العمل بهذه المذكرة مع البقاء في منطقة اليورو. وهو ما يعني بالنسبة إلى المقرضين نيل المكاسب من دون تحمل المسؤولية ما يعتبرونه غير مقبول خصوصاً الألمان منهم. واعتبر وزير المالية الألماني فولفغانغ شوبله في مقابلة مع صحيفة «راينيشي بوست» المحلية الألمانية نشرت أمس، أن «منطقة اليورو يمكنها تحمل خروج اليونان منها». وأضاف: «نريد أن تبقى اليونان في منطقة اليورو، لكن عليها أيضاً أن تكون راغبة بذلك وأن تقوم بواجباتها. لا يمكننا إرغام أحد» على ذلك. وقال شوبله أيضاً: «هنا لا أحد يهدد أحداً. لكن علينا أن نكون صادقين... وأن نقول لأصدقائنا وشركائنا اليونانيين أن لا طريق سوى الطريق الذي نختاره معاً». وتابع: «قمنا بالكثير حتى الآن» في إشارة إلى خطتي إنقاذ اليونان اللتين وضعتهما الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي مع مساهمة هامة من دائني القطاع الخاص في الخطة الثانية. وقال: «على اليونان أن تفهم أن عليها في المقابل أن تنفذ واجباتها». وحذر بأنه «من الخطير تقديم حجج واهية للمواطنين بالقول إن هناك طريقاً أسهل يشفي اليونان ويجنبها كل المحن، هذا أمر عبثي». وجعل وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيلي من احترام أثينا لواجباتها شرطاً لتحويل مساعدات جديدة لها. ووسط هذه الأجواء أظهر استطلاع لمعهد «مارك» في اليونان أن غالبية كبيرة من اليونانيين (62,7 في المئة) تأمل في تشكيل حكومة تحالف و53 في المئة منهم يأملون تشكيلها بمشاركة حزب «سيريزا». واعتبر المحلل الياس نيكولاكوبولوس أن تشكيل حكومة لا تحظى بدعم سيريزا يبقى ممكناً لكنه يرى أن المفاوضات ستستمر حتى منتصف الأسبوع المقبل. وأوضح أن «سيريزا على استعداد لضمان تسامحه (ولينه) شرط إلغاء التبني المتوقع في حزيران لإجراءات تقشف جديدة» في انتظار إعادة تفاوض شامل في شأن سياسة النهوض الاقتصادي. ولم يؤيد سوى 32 في المئة من المستطلعين تنظيم انتخابات جديدة على رغم أنها ستكون حتمية في حال عدم التوصل إلى تفاهم بين الساسة لتشكيل حكومة. ويظهر الاستطلاع أمراً مهماً وهو أنه في حال تنظيم انتخابات جديدة فان «سيريزا» سيأتي في الطليعة بنسبة 27 في المئة من نوايا التصويت يليه حزب «الديموقراطية الجديدة» ب20 في المئة ثم حزب «باسوك» الاشتراكي بنسبة 12,6 في المئة واليونانيون المستقلون (يمين معارض لمذكرة التفاهم مع المقرضين) بنسبة 10 في المئة من نوايا التصويت. ومثل هذا السيناريو سيغير تماماً المعادلة في المشهد السياسي اليوناني حيث سينال الحزب اليساري المتطرف الذي يملك حالياً 52 مقعداً في البرلمان جائزة ال50 مقعداً إضافياً التي تمنح تلقائياً للحزب الذي يتصدر النتائج، ما سيجعله في موقع قوة يتيح له عقد التحالفات التي يريدها.