يقوّم التصنيف الائتماني قدرة الجهة المقترضة على الوفاء بالتزاماتها، أو أخطار عدم تسديدها مستحقاتها في المواعيد المحددة. ويعتبَر التصنيف الائتماني من الأدوات المهمة في المرحلة الراهنة، إذ يساعد في تقويم الأخطار ومراقبتها والتحوط لها. وتسعى الحكومات، إضافة إلى الشركات والمصارف ومؤسسات المال، إلى تصنيفات ائتمانية إيجابية لتسهيل حصولها تمويلات تحتاج إليها سواء من الأسواق المحلية أو الدولية. وفي المقابل، أصبح المستثمرون والمقرضون في كل أنحاء العالم يعتمدون على تقويم وكالات التصنيف الائتماني في اتخاذ قراراتهم حول اختيار المكان والجهة المناسبة للاستثمار وتقدير حجم الأخطار. ومنذ بدأت أزمة المال العالمية عام 2008 ووكالات التصنيف الائتماني في حال استنفار ومتابعة حثيثة للتطورات المتعلقة باقتصادات دول العالم. وتستمر الوكالات عموماً في خفض تصنيف شركات ومصارف وحكومات وديون لمختلف دول العالم أو إعادة تقويمها. وعادة يعكس ارتفاع التصنيف الائتماني لأي جهة، سواء حكومة أو غيرها، الجودة العالية للوضع المالي وكفاءة السياسة المالية والنقدية، ما يؤدي إلى انخفاض الأخطار وبالتالي أسعار الفائدة على أدوات الدَين. وأبرز المستفيدَين من التصنيفات الائتمانية الحكومات ومصارف الاستثمار والجهات المصدرة لسندات الدَين ووكالات الوساطة والمستثمرون والجهات المصدرة للأوراق المالية. ويتعرّض معظم الدول غير النفطية في المنطقة منذ بداية الأزمة المالية العالمية، وتحديداً منذ بداية «الربيع العربي» العام الماضي، إلى موجات خفض في تصنيفها الائتماني، ومثال ذلك مصر والأردن اللذان خفِضت تصنيفاتهما من قبل أكثر من وكالة مرتين العام الماضي. وارتبط الخفض في ما يخص الدول العربية المعنية بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أمنية إذ شهدت هذه الدول عجزاً كبيراً في الموازنة العامة نتيجة ازدياد حجم النفقات الاستهلاكية في مقابل تراجع نفقات الاستثمار، تلبية لطلبات الحراك الشعبي والاحتجاجات الداخلية والاعتصامات، إضافة إلى الإنفاق الكبير على دعم المواد الغذائية والطاقة الذي لا يفرّق عادة بين الأغنياء والفقراء. وشهدت هذه الدول تراجعاً كبيراً في دخل السياحة وتراجعاً في تحويلات العاملين في الخارج، إضافة إلى تراجع كبير في تدفق الاستثمارات المباشرة يؤثّر على معدلات النمو في ظل الفجوة بين متطلبات النمو ومعدلات الادخار المحلي، إضافة إلى ارتفاع مستوى الدَين الداخلي والخارجي نتيجة الارتفاع المتواصل في عجز الموازنة والذي أصبح في الأردن يمثل ما نسبته 64.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. كذلك يلاحظ نزيف مستمر في الاحتياطات من العملات الأجنبية، ويساهم في هذا النزيف العجز الكبير في الميزان التجاري الذي كان له تأثير واضح في سعر صرف الجنيه المصري. ويؤثّر استمرار عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي سلباً أيضاً في حركة الاستثمار، وهناك تخوف في الأوساط الاقتصادية من خفض جديد للتصنيف الائتماني لهذه الدول في ظل استمرار الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد وعدم وجود جدية من الفريق الاقتصادي في الدولتين لحل المشكلات الاقتصادية والمالية التي تعانيها هذه الدول في ظل التخوف من ردود شعبية يقودها الفقراء، إضافة إلى التركيز على الإصلاحات السياسية وتأجيل الإصلاحات الاقتصادية. وسيكون أي خفض جديد في التصنيف الائتماني له تأثير سلبي في القدرة على نيل ديون داخلية أو خارجية بأسعار فائدة منطقية ومعقولة، وسيزيد تأثير ارتفاع الكلفة في النمو الاقتصادي إضافة إلى حركة الاستثمار الأجنبي سواء المباشر أو غير المباشر. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»