كلّ شيء في إيران اليوم مشقوق نصفين. كلّ خبر مطعون في صدقه. كلّ حقيقة غموض. كلّ غموض قد يكون حقيقة. كلّ رمز مشطور. كلّ معنى معنيان أو ثلاثة. هذه حالٌ تلازم الأنظمة حين تدخل في الغيبوبة. المرشد الأعلى صار طرفاً. الانتخابات المنزّهة، بوصفها أداة الاختيار السلطويّ، لم تعد منزّهة. أهل السلطة انشقّوا، وصولاً إلى قم. خطبة الجمعة الرفسنجانيّة الأخيرة، مصحوبة بالحشد والقمع، توحي بأنّ خطّ الانحدار قد يتقطّع إلاّ أنّه لن ينقطع. إقامة الصلاة في الجامعة توحي بولادة حلف تتجاوز مطالبه المطالب القطاعيّة الضيّقة. أحد مشايعي النظام الإيرانيّ يكتب عن صلاة يوم الجمعة الفائت، محذّراً من أنّه «تمّ رصد مُصلّين من الصبيان والصبايا ممن لم يحضر صلاة الجمعة في عمره على ما يبدو، فكان منهم من صلّى بحذائه، ومنهن من صلّين بنصف حجاب، ومنهم من غادر صفوف المصلّين بأعداد كبيرة مع بدء الصلاة أو وسطها، ما أحدث إرباكا في صفوف المتشرّعين، ومنهم من أراد أن يقتدي بالإمام وهو أمامه وليس خلفه، ومنهم من ظلّ متجمهراً وسط صفوف المصلّين. (...) فقد سمع المصلّون شعار الموت للصين لأوّل مرّة في تاريخ الثورة من جانب بعض أنصار المعارضة عندما تحدّث الخطيب عن قمع المسلمين الإيغوريّين مناشداً الصين بوقفه، فيما ردّد آخرون شعار الموت لروسيا والموت للديكتاتور و... وهي شعارات المقصود بها مناكفة أحمدي نجاد أكثر مما يُقصد بها أيّ طرف آخر». آحاديّات الثورة وقدسيّاتها لم تعد كذلك. في هذه الغضون جدّت أحداث ثلاثة أخرى لا يمكن المرور عليها مرور الكرام: -إعدام 13 عنصراًَ من «جند الله» السنّيّة في بلوخستان، جنوب شرق البلاد، لاتّهامهم بشنّ هجمات إرهابيّة في عدادها تفجير مسجد أودى ب25 ضحيّة. -استقالة رئيس منظّمة الطاقة النوويّة ونائب رئيس الجمهوريّة غلام رضا أغازاده، في وقت بات معه الموضوع النوويّ أهمّ محاور العلاقة بين إيران والعالم. وجدير بالذكر أن أغازاده كان نائباً لمير حسين موسويّ كرئيس للحكومة في الثمانينات. وفي 1985، في ظلّ رئاسة رفسنجاني، تولّى وزارة النفط حيث شغلها 12 سنة، بعد ذاك، في 1997، وفي ظلّ رئاسة خاتمي، تولّى وظيفته التي استقال منها قبل أسبوع. لم يقل أغازاده، ولا غيره قال، ما يُستفاد منه لماذا استقال الرجل. -»استقالة» أسفنديار رحيم مشائي، قريب أحمدي نجاد الذي عيّنه نائباً أوّلاً له. المحافظون المقرّبون من أحمدي نجاد كانوا أوّل من هاجم هذا التعيين بشدّة وضراوة. هكذا قيل رسميّاً إن مشائي استقال، لكنّ مشائي أصدر بياناً، حمله موقعه على الانترنت، ينكر فيه خبر الاستقالة! هذا كلّه يوازي الارتباك الذي تتسبّب به التهديدات الغربيّة، لا سيّما الأميركيّة. الخبرالإيرانيّ بات يشبه خبر القبض على موظّفي السفارة البريطانيّة في طهران ثم إطلاق سراحهم الواحد بعد الآخر. وها هي طلاقة اللسان النجاديّة تخون نفسها اليوم، فاللعثمة سيّدة الموقف.