دبت الحياة مجدداً في قطاع غزة بعد سريان تهدئة لمدة 72 ساعة أوقفت موقتاً العدوان الإسرائيلي الذي استمر 29 يوماً وأدى إلى استشهاد 1881 فلسطينياً وإصابة أكثر من 9500 جريح. بموازاة ذلك، بدأت في القاهرة مفاوضات غير مباشرة بين وفدين فلسطيني وإسرائيلي بوساطة مصرية من أجل تحويل الهدنة إلى وقف دائم للنار، في حين بدأت النروج اتصالات لعقد مؤتمر لإعادة إعمار قطاع غزة. (للمزيد) ومع إعلان سريان التهدئة صباح أمس، عادت الحياة إلى القطاع المنكوب، واستأنف «الغزيون» نشاطهم، ونزلوا إلى الشوارع، وفتحت المحال التجارية أبوابها، وعاد عشرات آلاف النازحين إلى منازلهم وبلداتهم حيث صدموا من هول الدمار، فيما فضل معظمهم البقاء في مراكز الإيواء. وفي مناطق مختلفة، شيّع فلسطينيون ما تبقى من جثث شهدائهم المتحللة بصمت، وراح آخرون يستخرجون من تحت الركام ما تبقى من ملابس وأثاث وغيرها من الحاجات بسرعة من أجل العودة إلى المأوى تحسباً لنقض إسرائيل التهدئة، فيما عمل شبان ورجال بدأب على تحطيم كتل كبيرة من الخرسانة المسلحة بأدوات بسيطة، ونبش آخرون التراب ليتمكنوا من الوصول إلى الجثث أو بقية منها. كما انتشرت روائح كريهة جداً في المناطق المدمرة، منبعثة من جثث متحللة أو حيوانات نافقة في الشوارع، وانتشر الذباب بكثافة. وهزأت مروة أبو عودة من تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، الذي قال إن من حق سكان قطاع غزة أن يعيشوا كبقية بني البشر، وبمرارة قالت ل «الحياة» بعد عودتها مع عائلتها إلى منزلهم الذي دمرته إسرائيل في بلدة بيت حانون شمال القطاع: «يحتاج البشر كي يعيشوا بالحد الأدنى بيتاً وكهرباء وماء وبنية تحتية، وكلها دمرته قوات غانتس». وأضافت أن «قوات الاحتلال ارتكبت مجازر وانتهكت الحد الأدنى للعيش الكريم لبني البشر بغطاء دولي». ورحب الرئيس محمود عباس باتفاق وقف النار الموقت، ودعا إلى احترامه، مشدداً على ضرورة تطبيق المبادرة المصرية، في وقت وصل إلى القاهرة من غزة مساء أمس القياديان في «حماس» خليل الحية وعماد العلمي، والقيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» خالد البطش للانضمام الى الفريق الفلسطيني الموحد للتفاوض على شروط المقاومة الفلسطينية ومطالبها لوقف النار. وأوضح قيادي فلسطيني رفيع ل «الحياة» أن ما تم التوافق عليه مع القاهرة «هو هدنة ل 72 ساعة نلتزمها قدر التزام إسرائيل... لكن هذا لا يعني موافقتنا على وقف للنار» لأن لهذا «استحقاقاته... ولن يتم إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق» يتضمن «إنهاء حصار غزة». ولفت إلى «إجماع دولي على ضرورة رفع الحصار عن غزة، ومن ثم فإن إسرائيل لن تتمكن من التهرب من هذا الاستحقاق أو إدارة ظهرها له». وكشف عن أن «مصر وعدت الوفد الفلسطيني بتشغيل معبر رفح» بعد التوقيع على اتفاق تهدئة، «على أن تتسلم إدارته الرئاسة الفلسطينية». وعلى رغم عدم التوصل إلى تهدئة دائمة بعد، بدأت النروج اتصالات لعقد مؤتمر للمانحين الدوليين مطلع الشهر المقبل في أوسلو لإعادة إعمار القطاع، والذي يتوقع أن تصل كلفته إلى ستة بلايين دولار، فيما أطلقت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) نداء عاجلاً لجمع 187 مليون دولار لتقديم مساعدات طارئة لنحو 250 ألف نازح في القطاع، علماً بأن إسرائيل دمرت محطة توليد الكهرباء الوحيدة، إضافة إلى شبكات المياه والصرف الصحي والهاتف والإنترنت في كل المناطق الشرقية. في هذه الأثناء، نشطت الديبلوماسية العربية في الأممالمتحدة للدفع نحو وقف دائم للنار في غزة من خلال تحرك مزدوج في الجمعية العامة اليوم، وفي مجلس الأمن قبل نهاية الأسبوع، بعدما وزع الأردن مشروع قرار باللون الأزرق على أعضاء المجلس أمس. وقالت السفيرة الأردنية في الأممالمتحدة دينا قعوار التي تمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن، إنها تأمل في «أن تخرج مشاورات المجلس بنتيجة خلال يومين»، مضيفة: «نأمل في أن يصبح وقف النار دائماً بناء على مفاوضات، كما نأمل في أن توضع خطة لإعادة الإعمار في غزة». ويدعو مشروع القرار إلى «وقف فوري للنار في غزة»، وإجراء «الأممالمتحدة تحقيقاً في الاعتداءات على مدارس أونروا، وتقديم تقرير في نتائجه إلى مجلس الأمن»، كما يدعو «كل الأطراف» إلى احترام سلامة المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع، ويشدد على ضرورة احترام حيادية مراكز الأممالمتحدة من كل الأطراف، ويدعم المبادرة المصرية وجهود الأممالمتحدة للتوصل الى وقف فوري للنار.