«البلسم» تجري 138 عملية ناجحة في سوريا    النصر يكسب ضمك في «الوقت القاتل» ويخسر دوران بمواجهة الاتحاد    تأسيس جمعيات تعليمية غير ربحية    "فريق جامعة أم القرى يتصدّر هاكاثون الجودة الأكاديمية"    العالمي والقلعة ينذران آسيا    مدير عام التعليم بالطائف يلتقي بفريق مشروع التحول بالوزارة    رئيس المالديف يستقبل البدير    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء في جدة    أمير نجران يرعى حفل تخريج 3747 طالبًا وطالبة بجامعة نجران    موسم الحج روحانية تعانق السماء    أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية أفغانستان لدى المملكة    رئيس مجلس الشورى القطري يصل الرياض    محافظ الطائف يطلق ملتقى أفهموني لدعم أطفال وأسر التوحد    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر العسيري الذي تنازل عن قاتل شقيقه    محافظ أضم يدشن فعاليات أسبوع البيئة تحت شعار "بيئتنا كنز"    بنزيمة يكشف سر التوقف عن تنفيذ ركلات الجزاء    نائب وزير الخارجية يستقبل مساعد وزير الخارجية مدير عام إدارة الشرق الأوسط وأفريقيا بوزارة خارجية اليابان    تعليم الشرقية يحقق مراكز متقدمة في ملتقى "الربيع" التدريبي 2025    السعودية والهند.. شراكة إستراتيجية وتعاون مثمر    أمير منطقة جازان يشرّف حفل أهالي فرسان    رئيس وزراء جمهورية الهند يصل جدة في زيارة دولة للمملكة    أبطال الرياضات القتالية في السعودية متحمسون للموسم الثاني في جدة    الرئيس العام للهيئات يلتقي منسوبي فرع المدينة المنورة    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "يوم الصحة العالمي"    الداخلية: تطبيق غرامة مالية تصل إلى (50.000) ريال بحق الوافد الذي يتأخر عن المغادرة عقب انتهاء صلاحية تأشيرة الدخول الممنوحة له    تمكين الأوقاف تحتفي بتخريج الدفعة الأولى من الزمالة المهنية في الأوقاف    انعقاد الملتقى السعودي الصيني لتعزيز التعاون والتبادل الأكاديمي في التعليم العالي ببكين    انطلاق منافسات ختامية مسابقة القرآن الوزارية بتنافس مائة طالب وطالبة بمكة اليوم    ارتفاع النفط إلى 66.62 دولارًا للبرميل    مُحافظ وادي الدواسر يفتتح دراسة مساعدي مفوضي تنمية القيادات    رأس الاجتماع الدوري للجنة السلامة المرورية بالمنطقة.. أمير الشرقية: القيادة الرشيدة حريصة على رفع مستوى الأمان على الطرق    "فلكية جدة": لا صحة لظهور الوجه المبتسم بسماء السعودية    رائد فضاء يعود في يوم عيده ال70 إلى الأرض    إعلاميون ل"البلاد": الأهلي مؤهل للتتويج ب" نخبة آسيا" بشروط!!    برشلونة يستضيف مايوركا في بروفة قبل الكلاسيكو    انطلاق معرض الصقور والصيد السعودي في أكتوبر المقبل    إطلاق مبادرات مشتركة لخدمة المجتمع وترسيخ القيم.. الثقافة توقع اتفاقية مع "تيك توك" لتطوير مهارات المواهب    بعد وفاته.. حكم قضائي ضد حلمي بكر لصالح طبيب شهير    الفيصل: لم نفاوض محمد صلاح والصغار يطورون المنافسة في أنديتنا    ضمن مساعي توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين.. توطين41 مهنة في القطاع السياحي    الذهب يتجاوز 3400 دولار للأوقية    تناقش التحديات الاقتصادية العالمية.. وزير المالية يرأس وفد المملكة في اجتماعات الربيع    ظاهرة الكرم المصور    الأمن العام يحذر: الرسائل المجهولة بداية سرقة    فوائد    ميغان ماركل متهمة بالسرقة الفكرية    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة (أمان ) بالمنطقة    فرص الابتعاث الثقافي في قطاع السينما    هل ينتهك ChatGPT خصوصية المستخدمين    تهديدات تحاصر محطة الفضاء الدولية    فوائد اليوغا لمفاصل الركبة    قطاع ومستشفى البرك يُنفّذ فعالية "خطورة استخدام المضادات الحيوية"    قطاع ومستشفى بلّسمر يُنظّم فعالية "اليوم العالمي لشلل الرعاش"    ساعة الصفاة    مركز الدرعية لفنون المستقبل يفتتح معرضه الثاني "مَكْنَنَة"    محميات العلا.. ريادة بيئية    الهلال الأحمر: فتح التطوع لموسم الحج    أمير الرياض يضع حجر الأساس لمشروعات تعليمية في جامعة الفيصل بتكلفة تتجاوز 500 مليون ريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ثلاثية» الهدر
نشر في الحياة يوم 20 - 07 - 2009

العصبيات، الاستبداد، والأصوليات «المنغلقة»... ثلاثية عدائية تتحالف في ما بينها لتمارس ألواناً من الهدر الإنساني، أخطره على الإطلاق هدر الفكر والوعي والطاقات الإنسانية، هي عدو خطير كونها تصيب حيوية المجتمعات ونماءها في الصميم فتتركها في حال من الانكشاف التام، فاقدة للمناعة تجاه أي ضغوط خارجية متزايدة عليها، في الوقت نفسه الذي تحرم المجتمعات من فرص احتلال الدور للمشاركة على ساحة المنافسة الدولية، خصوصاً في مرحلتنا التاريخية المعاصرة، كذلك فهي تلعب دوراً خطيراً بالنسبة لتهميش المجتمعات الحاضنة لها بحيث تجعلها غير قادرة على المقاومة والفعل وردود الأفعال، بل إنها تصل إلى خلق مناخ مؤاتٍ لفرض سطوتها واستدامتها من خلال تجريم الفكر الإنساني وتحريمه، والحجر على العقول والأفئدة بغرض وصولها إلى أهدافها الخاصة لبناء مراكز نفوذها وترسيخها من أجل السيطرة على المعرفة والفكر المنتج لها ومحو وظائفها الأصلية.
إن هدر الفكر والوعي والطاقات الإنسانية يجعل أي مجتمع عبارة عن جثة هامدة لا يستطيع مقاومة العصبيات والاستبداد واستفحال خطرها، بل قد يتجاوز الأمر كل ذلك ليهيئ الأرض الخصبة لانتشار الأصوليات الموغلة في الانغلاق التي بدورها لا تزدهر أو تنتشر إلا من خلال انضمامها كعنصر ثالث فعال إلى العصبيات والاستبداد، فتمارس دورها هي الأخرى بالنسبة لهدر الفكر والوعي والطاقات البشرية، فنراها في مجتمعاتنا العربية تقدم ذاتها على أنها البديل الذي يحمل الخلاص، ويرفع الغمة عن الأمة، ولهذا فمهما قيل عن وجود تناقضات ظاهرية بين ثلاثية الهدر ضد الثلاثية التي تعتبر المكون الأساسي للإنسان، إلا أن هناك حلفاً مصلحياً ضمنياً على أرض الواقع يجمع بينها في حربها المعلنة على الفكر والوعي والطاقات البشرية.
إن القضاء على الأساس المكون للإنسان هو في الواقع هدرُ لمؤسسات وكيان ذات أي مجتمع، وتكمن الخطورة منهجياً عندما تكون خارج بؤرة التركيز بالنسبة لتناول قضايا المجتمع، فنسمع ونقرأ ونشاهد الأضواء والأقلام والأصوات الإعلامية ترتفع لتسلط الضوء على أبعاد السياسة من حريات وديموقراطية، وعلى الفساد الاقتصادي من نهب واستغلال ورشاوى وغيرها، في الوقت نفسه الذي يبتعد الإعلام تماماً عن تسليط الضوء وتركيز بحثه على قضايا الهدر الإنساني للفكر والوعي والطاقات، بسبب أن هذه القضايا تمثل الواقع الأساس الذي يهيئ التربة الخصبة لإدامة الاستبداد وما يميزه من فساد واجتياح للكيان والمقدرات البشرية رغم ضعفه البنيوي، أو استفحال الأصوليات «المنغلقة» رغم عجزها النمائي.
وبمقارنة تاريخية بسيطة ولكنها فاحصة ومتعمقة لأبرز وظائف النهضة الفكرية والعملية الكبرى التي صنعها الغرب خلال ثلاثة قرون مثلت عُمر الثورة الصناعية لديه، التي لا يزال منخرطاً فيها وبحيوية فائقة بالنسبة لمغامرة الفكر والمعرفة والتجربة من أجل المزيد بالنسبة لإطلاق طاقات العقول البشرية بهدف الوصول دائماً لكسب معارك التنافس الدولي على الاقتدار المعرفي ومنجزاته «إنتاجاً وتسويقاً» وسيطرة واستتباب للعقل البشري لديهم، فإن عدائية ثلاثية الهدر في العالم العربي تحديداً قد قادت هي الأخرى بدورها معركة لا تقل أهمية وضراوة عن معركة التنافس الفكري والمعرفي في الغرب، ولكن مع كل الأسف والخزي واليأس فقد كانت ولا تزال تدور رحاها في الاتجاه النقيض تماماً، فهي معركة تهدف للقضاء على العقل البشري بدلاً من تعزيزه وضبطه من أجل سيطرة الإنسان على ذاته ومقدراته بدلاً من التفنن في إبداع واستحداث وسائل وأساليب تعمل على بتر العقل وجعله متحجراً ومتصلباً يسوده الانفعال، ويفقد صاحبه القدرة على التعامل المرن والاستيعاب للوقائع وتحدياتها والقيام على محاولة تغييرها مع التجديد والتنويع لخدمة نمائه.
ذهنية الإنسان العربي تتصف بالتصلب والجمود والثبات والقطعية غير القابلة للتساؤل، أو إعادة النظر إلى أن تبلغ مستوى الانحسار الذي لا يمكنه مستواها في نهاية المطاف إلا من التفكير الجاد وإعمال العقل من أجل تحسين المستوى المعيشي بالدرجة الأولى، والتفكير في المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة لأبناء المجتمع الواحد، وتلغي ثلاثية الهدر الإنساني من استبداد وعصبيات وأصوليات منغلقة في حقيقتها «التاريخ»، إذ يختزله الاستبداد في ذاته وسلطته، بينما تختزله العصبيات في كيانها وبقائها فلا تبقي سيرورة خارجه، أما الأصوليات المنغلقة فإنها تجمد التاريخ في الماضي الذي يمثل لها الشيء الوحيد الذي يمتلك قيمة جوهرية ناسفة بذلك الحاضر الفاسد ومرتهنة تحقيق المستقبل في استعادة الماضي المجيد الخالص النقاء والصفاء الذي يحمل الخلاص للعالم.
الواقع أن هذه الثلاثية المعادية للفكر والوعي والجهد الإنساني عندما تعمل على إلغاء التاريخ وتشويهه لمصالحها الخاصة بما يشمله من جهد بشري مبادر ومنتج ومنجز لبناء كيان وصناعة مصير الإنسان، فإنها بذلك إنما تلغي المبادرة الإنسانية والإرادة والفعل الإنساني ذاته، فيفرض على الإنسان بعد ذلك العيش ضمن حدود تاريخ المستبدين بهم! أو في فردوس الماضي الأصولي المجيد! أو تختصر استراتيجية الحفاظ على مصلحة الكيان الوطني بالحفاظ على مصالح العصبيات وحدها! فهل لا نزال نتعجب من غياب حقيقي وفاعل لمؤسسات المجتمع المدني التي تمثل مراكز الحيوية الدينامية في المجتمعات، وتشكل الحصانة الوطنية للبلاد؟ وهل من عجب أن يسود في ظل ثلاثية الهدر فكرٌ إنساني انطباعي ضبابي محل الفكر التجريبي الذي يتعامل مع دقائق الأمور ليتمكن من النفاذ إلى آليات عملها، ومحل الفكر النقدي الاستراتيجي الذي يبني التصورات العقلية الكبرى المستوعبة للوقائع والسائرة دائماً نحو المستقبل؟ فكيف إذاً للإنسان العربي أن يمتلك زمام مصيره وكيانه ما دام محاطاً بمثل هذه الثلاثية المعادية لإنسانيته؟
* أكاديمية متخصصة في التاريخ المعاصر
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.