أعلن «برنامج الغذاء العالمي» التابع للأمم المتحدة أمس ان عدد جياع العالم تجاوز البليون نسمة، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، التي أدت أيضاً إلى ارتفاع معدلات البطالة والكساد الاقتصادي وتراجع حركة المبادلات التجارية العالمية. وأشار نائب المدير التنفيذي للبرنامج ستيفان دي ميستورا في مؤتمر صحافي في جنيف إلى ان العالم سيستقبل السنة المقبلة مئة مليون جائع جديد، معتبراً تلك الأرقام «أجراس تحذير» أمام مجموعة الدول المانحة، خصوصاً الثمانية الكبار، داعياً إياها إلى تأمين نحو 20 بليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، إضافة إلى تمويل مشاريع التنمية المستدامة، التي تساهم في تحقيق الأمن والاستقرار الغذائي، كأحد الحلول الأساسية في القضاء على مشكلة الجوع في العالم. ويتخوف الخبراء من عدم التزام الدول المانحة بالتزاماتها المالية، حيث انخفضت إمدادات المعونات الغذائية إلى أدنى مستوياتها منذ 34 سنة، واقل بنسبة 18 في المئة عما كانت عليه عام 2005، وبنحو 35 في المئة منذ عام 1995، وفق بيانات برنامج الغذاء العالمي و«منظمة الأغذية والزراعة» (فاو). ولا تتناسب تلك المؤشرات مع البرامج الطموحة للقضاء على الفقر والجوع والأمراض الناجمة عنهما، إذ يجب، بحسب خبراء، تنفيذ مشاريع زراعية وصناعية تضمن سد رمق الجياع، وتضمن حصولهم على مورد رزق دائم، وصولاً إلى الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي. مثلاً، تهدد قلة الموارد المالية مشروعين طموحين لبرنامج الغذاء العالمي في اليمن، أحدهما بعنوان «الغذاء في مقابل التعليم» والثاني «الغذاء في مقابل الصحة»، يُفترض ان يستفيد منها ما لا يقل عن 850 ألف نسمة، في بلد يعاني فيه نحو سبعة ملايين نسمة من تبعات الجوع المزمن، حيث تنفق الأسر اليمنية الفقيرة ما لا يقل عن 65 في المئة من دخلها للحصول على أساسيات الغذاء الباهظة الثمن وفقاً للبرنامج. ويعتمد برنامج الأممالمتحدة للتغذية في بياناته، على برامج المسح الميداني الشامل التي ينفذها خبراء في الدول الأكثر فقراً، وعلى نتائج دراسات المنظمات الدولية المعنية بالحالة الاقتصادية في العالم وتأثيرها على مشكلات التنمية. وطبقاً لتلك البيانات، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية في 47 دولة بمتوسط سنوي نسبته 20 في المئة خلال خمس سنوات، لكن تلك النسبة تفاوتت في شكل كبير منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، حيث أدت البطالة إلى فقدان موطن الرزق الوحيد لملايين العمال في قطاعات التعدين وصناعة النسيج. وتتواجد غالبية جياع العالم في آسيا، 642 مليون نسمة، تليها أفريقيا جنوب الصحراء نحو 265 مليوناً، ثم أميركا اللاتينية 53 مليوناً والشرق الأوسط وشمال أفريقيا 42 مليوناً، ونحو 15 مليوناً في أوروبا وأميركا الشمالية. ووفق بيانات برنامج الغذاء العالمي، كانت أسعار السلع الأساسية خلال الربع الثاني من عام 2009 مرتفعة نسبياً، مقارنة بأسعار عام 2007، والتي تفاقمت بسبب التقلبات وعدم استقرار الأسواق. كما لا تزال 32 دولة مصنفة في «حالة طوارئ» بسبب نقص إمداداتها من الحبوب والمواد الغذائية الأساسية، حيث ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 74 في المئة، مقارنة بعام 2005، و10 في المئة عن مستويات عام 2007، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، وبقيت أسعار الحبوب في البلدان النامية مرتفعة جداً في بعض الحالات مثل السودان وباكستان وأفغانستان وموزمبيق. وتعزز الأممالمتحدة تلك البيانات بدراسة أجريت أخيراً في 58 من البلدان النامية، تظهر ان أسعار المواد الغذائية في نيسان (أبريل) عام 2009، كانت أعلى في 78 في المئة منها، مقارنة بعام 2008، وبلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق في 17 في المئة منها، بل تسجل الدراسة ان الأسعار ظلت مرتفعة بعناد في الأسواق المحلية في أجزاء من العالم حيث تعيش غالبية الفقراء. وحذر المدير العام لمنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو) جاك ضيوف الشهر الماضي في روما، من خطورة ما وصفه ب«المزيج الخطير من تباطؤ الاقتصاد العالمي مع الارتفاع المتعنت في أسعار المواد الغذائية في العديد من البلدان». وأوضح في سياق تقويم المنظمة لحالة الغذاء في العالم ان «أزمة الجوع الصامت تشمل سدس سكان العالم، وتطرح خطراً جدياً على السلام والأمن العالميين، ما يتعين علينا التوصل إلى إجماع شامل للعمل الحثيث لاجتثاث الجوع»، معتبراً ان «الوضعية الراهنة لانعدام الأمن الغذائي العالمي، لا يمكن ان نستجيب لها بعدم المُبالاة». وأكد أهمية حصول البلدان الفقيرة على «الأدوات الإنمائية والاقتصادية، وأدوات السياسات القادرة على النهوض بإنتاجها الزراعي»، مع ضرورة زيادة الاستثمار في الزراعة، «إذ لا مناص من ان يتعافى القطاع الزراعي، لكي يصبح في إمكان معظم البلدان الفقيرة التغلُب على الفقر والجوع، فضلاً عن كون ذلك شرطاً مسبقاً لتحقيق التنمية الاقتصادية عموماً».