بقي جرح مدينة طرابلس، شمال لبنان، مفتوحاً أمس ولم تفلح الجهود السياسية وتحركات القوى الأمنية في وقف التدهور الأمني فيها. فاستمرت الاشتباكات بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية، ما ادى الى سقوط 4 قتلى جدد وعدد كبير من الإصابات ما رفع عدد الجرحى الى قرابة السبعين جريحاً. وعاد شبان يناصرون مجموعات سلفية الى الاعتصام في ساحة المدينة الرئيسة، حيث قطعوا الطريق مجدداً، بعد ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر على الشاب الذي أطلق توقيفه من قبل الأمن العام اللبناني شرارة الاضطراب في عاصمة الشمال، شادي المولوي وخمسة موقوفين آخرين بينهم شخص من التابعية القطرية. وفيما كان هؤلاء الشبان أوقفوا اعتصامهم، أول من أمس، بناء لوعود تلقوها بالإفراج عن المولوي بعد ظهر أمس، وعادوا للاعتصام بعد الادعاء عليه، فإن المدعى عليه مثل أمس أمام أحد قضاة التحقيق لاستجوابه في التهم المنسوبة إليه بعد الظهر، خصوصاً أن ما تسرب من معلومات يفيد بأنه كان على صلة بشخص أردني موقوف بعد انتقاله من إيران الى سورية ثم لبنان هو عبدالملك يوسف عثمان عبدالسلام الذي تردد أنه على صلة ما بتنظيم «القاعدة» ويجمع التبرعات للثوار السوريين. وفيما قالت مصادر حكومية مساء أمس، إن الاتصالات السياسية التي أجريت عصراً قد تسمح بغلبة التهدئة على التصعيد في المدينة، وأن الجيش سيعزز وحداته فيها، علمت «الحياة» أن التحقيق العسكري استمع الى المتهم القطري الشيخ عبدالعزيز خليفة العطية بعد نقله الى مستشفى «بل فو» في منطقة المنصورية نظراً الى أنه كان خضع لعملية زرع كلية قبل مدة. ورافق التدهور الأمني أمس إعلان النائب في عكار معين المرعبي بعد اجتماع نواب من المدينة مع علماء دين وممثل عن قيادة الجيش، أن الأخير لا يرغب في الانتشار في منطقة باب التبانة – بعل محسن لوقف الاشتباكات بحجة أنه يريد غطاء سياسياً ووقفاً للنار قبل انتشاره. وقال المرعبي: «أبلغنا الجيش استعدادنا للذهاب معه الى المنطقة». وتحدث عن «أوامر من القيادة السورية للجيش بعدم الانتشار». وأجرى كل من رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ومفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار اتصالاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاستعجال انتشار الجيش في المدينة لأن الحكومة مسؤولة. وعلمت «الحياة» أن ميقاتي أبلغ السنيورة أن «الجيش يحتاج الى الدعم وأريد دعمكم»، فرد السنيورة: «الرئيس سعد الحريري ونحن جميعاً رفعنا الغطاء عن أي مخل بالأمن لضبط التجاوزات وتأمين الاستقرار». وقال مكتب السنيورة إنه طالب «بوقف المواجهات المسلحة واعتقال المندسين على أبناء المدينة». وأوضح مكتب السنيورة أن ميقاتي أبلغه أنه «بالتوازن مع خطوات الجيش ستتم معالجة الطريقة المستهجنة التي تم فيها اعتقال المولوي عبر إجراءات تحفظ حق الجميع لجهة تنفيذ القانون بعدالة ومن دون أي تجاوزات». وكان النائب عن طرابلس محمد كبارة طالب ميقاتي بتحمل مسؤولياته بإدخال الجيش الى المدينة أو الاستقالة. وكان توقيف مولوي عبر استدراجه الى مؤسسة وزير المال محمد الصفدي الاجتماعية بحجة تقديم مساعدة مالية له، أثار رد الفعل في الشارع ولدى القوى السياسية. وأعلن وزير الداخلية مروان شربل أنه تم استدعاء الضابط في جهاز الأمن العام الذي أوقف المولوي للتحقيق مسلكياً. وتداخلت مجموعة عوامل في استمرار التوتر في طرابلس مع وقائع توقيف المولوي والحساسية المزمنة بين منطقتي جبل محسن (العلوية) وباب التبانة (السنّية)، والذي تصاعد مع الانقسام اللبناني حول الموقف من الأزمة السورية. ومن هذه العوامل قضية الموقوفين الإسلاميين من دون محاكمة في قضايا تعود الى العام 2000 وإلى العام 2007 (معارك مخيم نهر البارد) والذين يلح أهاليهم في المدينة على تسريع محاكماتهم. وهم تلقوا وعوداً من ميقاتي في هذا الشأن. وكان لافتاً إعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن «ما حصل في طرابلس لا يمكن فصله عن إصرار بعض الأجهزة الأمنية، بوحي سوري على ما يبدو، على اعتبار السلفية بمثابة الشر المطلق». وسأل: «هل أن استخدام القاعدة كفزاعة هو لقمع أي صوت داخلي يساند الثورة السورية؟». ومساء أصدر المكتب السياسي لحزب الكتائب بياناً أعرب عن تضامن الحزب مع أهالي طرابلس ودعا الحكومة الى «حزم أمرها ورفض منطق الأمن بالتراضي». وتردد أن الشيخ أحمد الأسير (أحد مشايخ الحالة السلفية في صيدا) انضم مساء الى المعتصمين في ساحة النور في طرابلس. وانعكس التوتر في طرابلس جموداً في الحركة في مناطق أخرى. وسعى عدد من القيادات الى الحؤول دون امتداد هذا التوتر الى مناطق أخرى، فدعت النائب بهية الحريري الى اجتماع تشاوري في مدينة صيدا حضره الرئيس السنيورة للتأكيد على وجوب حصر المشاكل ومعالجتها في طرابلس.