اشتعل سباق الانتخابات الرئاسية في مصر واحتدمت المنافسة، ليس بين مرشحي التيار الإسلامي ومنافسيه، لكن أيضاً بدرجة أشد بين مكونات التيار الإسلامي التي تفرق تأييدها بين مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي والمرشح الإسلامي المعتدل عبد المنعم أبو الفتوح، إضافة إلى المرشح محمد سليم العوا، وإن كان دعمه أضعف. ومنذ أعلنت شخصيات عامة اعتزامها المنافسة على الرئاسة بعد إطاحة الرئيس المخلوع حسني مبارك، صدرت تحذيرات متكررة من قيادات إسلامية من تفتيت أصوات التيار الإسلامي في ظل تعدد المرشحين ذوي المرجعية الإسلامية. وفشلت محاولات عدة للتوفيق بينهم والاتفاق على مرشح واحد يمثل التيار الإسلامي ويشكل مع باقي المرشحين فريقاً رئاسياً. ورسخت منافسة مرسي وأبو الفتوح من الانقسام بين جماعة «الإخوان» وقطاع كبير من السلفيين، وتوزعت أصوات غالبية الأحزاب والجماعات الإسلامية بينهما، فيما لم ينل العوا تأييداً ملحوظاً. وفي حين رشح «الإخوان» مرسي، حصل أبو الفتوح على دعم حزب «النور» السلفي، وهو ثاني أكبر قوة في البرلمان، وحزب «الوسط» الإسلامي المعتدل و «الجماعة الإسلامية». وسبب الدعم السلفي سجالاً علنياً بين جماعة «الإخوان» وجماعة «الدعوة السلفية» التي تمثل الحركة الأم لحزب «النور»، خصوصاً بعد أن عزت «الدعوة» دعمها لأبو الفتوح إلى رغبة في عدم استئثار فريق واحد بكل السلطات، وهو ما رد عليه «الإخوان» بمعاتبة السلفيين والكشف أنهم طلبوا من الجماعة طرح مرشح، خصوصاً نائب المرشد خيرت الشاطر الذي استبعدته اللجنة المشرفة على الانتخابات من السباق. وردت «الدعوة السلفية» على «الإخوان» مفندة «العتاب»، على اعتبار أن «أبو الفتوح وعد بإسناد تشكيل الحكومة للغالبية البرلمانية». ولم تقف جماعة «الإخوان» عند حد العتاب والبيانات، لكنها نشطت لضمان تأييد قطاع من السلفيين لمرسي لإظهار انقسام في أوساط السلفيين، وبالفعل دعمت «الجبهة السلفية» و «الهيئة الشرعية للإصلاح» مرسي، كما تنازل مرشح حزب «الأصالة» السلفي عبدالله الأشعل لمصلحة مرسي وأعلن حزبه تأييد مرشح «الإخوان». لكن مصادر أكدت ل «الحياة» أن قيادات داخل «الهيئة الشرعية» ودعاة سلفيين بارزين أبدوا امتعاضاً من تأييد مرسي على اعتبار أن نجاحه يرسخ سيطرة «الإخوان» على مقاليد الحكم، فضلاً عن أن هناك خلافات فكرية لا يستهان بها بين السلفيين و «الإخوان» ومنافسة غير بادية على السيطرة على الشارع. ولم تفصح هذه القيادات صراحة عن رفضها تأييد مرسي «كي لا يشق صف السلفيين أكثر من ذلك»، لكنها أعلنت بوضوح في الغرف المغلقة أنها لن تدعمه. كما أن «الهيئة الشرعية للإصلاح» التي أيدت مرسي تضم قيادات لا يستهان بها في «الجماعة الإسلامية» التي أيدت أبو الفتوح، ما سبب حرجاً لهذه القيادات التي باتت تؤيد المرشحين. ولا تختلف الحال كثيراً في صفوف «الدعوة السلفية» التي عبرت قيادات كبيرة فيها عن تفضيل مرسي الذي يتبنى خطاباً أكثر محافظة. وأعلن الكاتب الإسلامي البارز محمد عمارة أمس دعمه مرسي. وقال في بيان: «أيدت الإخوان المسلمين ودافعت عنهم عندما كان الدفاع عنهم كلمة حق في وجه سلطان جائر وغاشم، وبعد ثورة 25 يناير أعطيتهم صوتي في انتخابات مجلسي الشعب والشورى وأعلن تأييدي لهم في انتخابات الرئاسة». واعتبر أن «الإخوان هم الحاملون لمشروع النهضة الإسلامية، وهم الأقرب إلى الفكر الإسلامي الوسطي والأقدر مع كل المخلصين على تحقيق النهضة التي سعى إليها رواد الإصلاح الإسلامي». واعتبر الناطق باسم حزب «النور» نادر بكار أن هناك «محاولات وقيعة» بين «الدعوة السلفية» و «الإخوان». ورأى أنها «فتنة ينبغي الحرص من الانجرار خلفها». وقال إن «ثلاث قيادات كبرى في جماعة الإخوان تصر على دعم أبو الفتوح». وأضاف في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»: «أكدنا من قبل أن هدم الكيانات الإسلامية أمر غير مقبول لما له من أثر بالغ السوء على الدعوة الإسلامية نفسها... أتعجب ممن يتحدث عن آراء ما قبل التصويت، وأقول له وهل سألنا عن 52 عضواً من مجلس شورى الإخوان رفضوا فكرة خوض الشاطر ومن بعده مرسي للانتخابات، أم أننا احترمنا قرار الغالبية وتعاملنا معه باعتباره رأي الجماعة». وأضاف: «للعلم، أعرف ثلاثة من كبار قيادات الإخوان يصرون على أن أبو الفتوح هو الأفضل وأن صوتهم لن يذهب إلا إليه». وتابع أن «المبادئ التي تربينا عليها تمنعني من تناولهم فتفريق الصفوف ليس من شيمنا»، نافياً الحديث عن مخالفة الداعية السلفي البارز إسماعيل المقدم رأي مجلس إدارة «الدعوة السلفية». ورأى أن «هذا الأمر محاولة من جانب أصحاب هذا القول للوقيعة بين أبناء التيار الواحد». وأوضح أن «ما قاله المقدم أن الرأي لمجلس إدارة الدعوة، وفي النهاية كانت الغالبية مع ترشيح أبو الفتوح وهذا هو خيار المقدم». وشدد على أنه «من غير المقبول الطعن على أبو الفتوح بما لا أساس له من الصحة، والحكم على نيته بتسلط منقطع النظير، فكما قبلنا من مرسي تراجعه عن تصريحات قالها وفهمت في شكل سيء عنه يوم أن شرفنا بحضور مجلس شورى الدعوة السلفية، فكذلك أبو الفتوح في كل ما يمس الثوابت العقدية للأمة». وكان لافتاً أن القيادي في «الجماعة الإسلامية» مصطفى حمزة الذي أعيدت محاكمته بتهمة محاولة اغتيال وزير الإعلام السابق صفوت الشريف، استغل جلسة المحاكمة أول من أمس لتوزيع بيان يدعو فيه جماعته إلى التراجع عن دعم أبو الفتوح وتأييد مرسي باعتبار أن مشروعه هو الأقرب إلى الشريعة.