نجحت حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية المتشددة، بوزير خارجيتها المثير للجدل أفيغدور ليبرمان، في اجتياح أذربيجان، الدولة الآسيوية المجاورة لإيران، واللصيقة بروسيا، والقريبة من خطوط إمداد الغاز الآسيوية الغنية، ذات الكثافة السكانية المسلمة، إلا أن إسرائيل استطاعت أن تتغلغل في نسيجها، وأن يكون لها فيها قاعدة ومنطلق عمل للاستخبارات وفرق الاغتيالات، اضافة الى مركز تجاري واقتصادي متقدم، لتكون ذراعها الجنوبية المتقدمة ضد إيران والمنطقة العربية. فقد نجح ليبرمان في رفع مستوى التمثيل الديبلوماسي بين البلدين، وضاعف عدد الزيارات المتبادلة على كل المستويات، كما ساهم الإعلام المحلي لأذربيجان بالتعاون مع خبراء إعلاميين إسرائيليين في تحسين صورة اسرائيل في السنوات الماضية والتأثير على اتجاهات الرأي العام الأذري، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وأذربيجان قرابة أربعة بلايين دولار سنوياً، شمل مختلف القطاعات الاقتصادية، ومنها الصناعات العسكرية، حيث تمد شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية أذربيجان بكمية من المنتجات العسكرية، منها طائرات من دون طيار، وطائرات تجسس، وصواريخ مضادة للطائرات، وأنظمة دفاع مضادة للصواريخ، كما تمدها بالصناعات الإلكترونية الدقيقة، ومستلزمات الكمبيوترات العملاقة، بينما تزود أذربيجان اسرائيل بقرابة 30 في المئة من حاجتها من مصادر الطاقة المختلفة، في الوقت الذي بدأت فيه بوادر أزمة طاقة وغاز إسرائيلية، بعد عمليات تدمير خطوط إمداد الغاز المصري لإسرائيل، وقرار الشركة المصرية الناقلة للغاز بوقف نقل الغاز المصري إلى إسرائيل، الأمر الذي يفسر كثيراً المحاولات الإسرائيلية المحمومة لفتح علاقاتٍ إستراتيجية عسكرية وأمنية واقتصادية مع أرمينيا، وهو ما يجعل من دولة أذربيجان الأولى في العالم في حجم تجارتها الخارجية مع اسرائيل، فضلاً عن حضورها الأمني والعسكري. تدرك الحكومة الإسرائيلية وخبراؤها الإستراتيجيون أهمية أذربيجان، وموقعها الجغرافي بالنسبة إلى إيران وروسيا، وأنها تمثل امتداداً للنفوذ والأطماع التركية، ما يجعلها موطناً خصباً لأعمال التجسس والمراقبة وجمع المعلومات، حيث تنشط فيها مجموعات المخابرات الإسرائيلية الخارجية ، وتستخدم أرضها وما تقدمه لها الاستخبارات الأذرية من مساعدات في الانتقال إلى ساحاتٍ أخرى، والتنسيق لجمع معلوماتٍ. ولعل الحكومة الإسرائيلية تسعى لأن تستفيد من أذربيجان في بناء مجموعة من القواعد ومنصات الصواريخ المتقدمة، التي تزيد من قوة إسرائيل الرادعة، ويجعل معركتها مع الآخرين خارج حدودها، وبعيداً من شعبها، خصوصاً أن تقارير أمنية تشير الى أن حكومة أذربيجان وافقت على السماح لمختلف الطائرات العسكرية الإسرائيلية باستخدام المطارات الأذرية، علماً أن جزءاً من الطائرات الإسرائيلية هي للتجسس والتصوير وجمع المعلومات وتحديد الأماكن بدقة، ومنها طائرات بدون طيار ذات تقنية عالية جداً، ومزودة بمعداتٍ إلكترونية لديها القدرة على النفاذ إلى الكثير من المناطق السرية الإيرانية والروسية. أذربيجان لم تعد دولة مغمورة متاخمة للاتحاد الروسي شمالاً، كما لم تعد من مخلفات الاتحاد السوفياتي البائد، فقد أصبح لها أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل والولاياتالمتحدة ، بسبب حدودها المشتركة مع إيران شمالاً، وحجم الروابط الثقافية والديموغرافية والدينية التي تربطها بإيران، في الوقت الذي تخشى فيه إسرائيل ومعها الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الأوروبية، من خطورة تنامي المشروع النووي الإيراني، الأمر الذي جعل من اجتياح إسرائيل أذربيجان أهمية قصوى، ومصلحة إستراتيجية كبيرة، علها تساهم بصورة فاعلة في إجهاض المشروع النووي الإيراني. إن ما يجمع العرب والمسلمين مع أذربيجان أكبر بكثير مما يجمعها مع اسرائيل، الأمر الذي يثير تساؤلاتٍ حول أسباب نجاح الديبلوماسية الإسرائيلية في التمركز على الأرض الأذرية، في الوقت الذي تراجَعَ، إن لم يكن تلاشى النفوذ العربي والإسلامي فيها، حيث لم يعد ثمة مؤثرات عربية وإسلامية على اتجاهات الرأي العام الأذرية، رغم أن الأذريين يرتبطون مع العرب والمسلمين بعلاقاتٍ دينية وتاريخية، وقد ساهموا في تأييد الكثير من القضايا العربية والإسلامية، خصوصاً القضية الفلسطينية ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن السبب في انقلاب علاقة العرب مع أذربيجان، ولماذا وكيف نجحت إسرائيل في الحلول محل العرب والمسلمين في علاقتهم بأذربيجان؟ لن تتوقف الأطماع الإسرائيلية عند أذربيجان، ولن يرضي سقوطُ أذربيجان في براثن النفوذ الإسرائيلي النهمَ الصهيوني، بل إن المحاولات الإسرائيلية لاجتياح مناطق أخرى من العالم المحيط والمؤثر في قضية الصراع العربي الإسرائيلي ستتواصل، وستكون القارة الأفريقية وجنوب شرقي آسيا المرتع الخصب لمزيدٍ من الأطماع الإسرائيلية، بما يضر بمصالح العرب والمسلمين.