تنظر ايران بقلق إلى تعاظم النفوذ الإسرائيلي في منطقة القوقاز، وترى في حضور اسرائيل القوي في البناء السياسي والاقتصادي والأمني إضافة الى النسيج الثقافي للمنطقة تهديداً مباشراً لمصالحها وتحدياً لفرصها على صعيد السياسة الخارجية. ويحمل الحضور الإسرائيلي في هذه المنطقة الإستراتيجية المهمة نتائج عديدة لا تصب في مصلحة الجمهورية الإسلامية وفي مقدمها تقليص الدور والنفوذ الإيرانيين في المنطقة على رغم مشتركات عديدة تتمثل في اللغة والثقافة والدين والجغرافيا والتاريخ. وتأتي فعالية مشاريع الشركات الإسرائيلية الإقتصادية في القوقاز لتشكل سداً يحرم إيران من منافع إقتصادية لا تحصى، وتزداد حدة هذا التأثير مع الدعم الإسرائيلي والأميركي لمشاريع انتقال الطاقة شرط أن لا تمر في الأراضي الإيرانية. وفي النتيجة فإن ذلك معناه إضعاف الدور السياسي لإيران على المدى البعيد. ويتزامن النفوذ الإسرائيلي مع تعزيز لدور نخب سياسية في دول هذه المنطقة تتبنى سياسات مؤيدة لإسرائيل ومعارضة لإيران. وتحذر تقارير إيرانية من الحرب النفسية ودورها في محاصرة الحركات السياسية الإسلامية، ما من شأنه أن يوسع نفوذ التوجهات العلمانية ويروج لإسرائيل «كنموذج للتنمية السياسية والاقتصادية». وحذر تقرير إيراني أخير أصدره مجلس الشورى من التداعيات الأمنية للنفوذ الإسرائيلي في منطقة القوقاز، بخاصة في الدول الجارة لإيران حيث تشهد هذه الدول حضوراً كبيراً للخبراء الأمنيين الإسرائيليين وإقامة قواعد التجسس. واعتبر التقرير أن تحضيرات متسارعة تشهدها دول عدة تهدف إلى تعزيز وجود حلف الناتو وتهيئة فضاء أمني معادٍ لإيران تمهيداً لمحاصرتها. وتقدم اسرائيل الدعم لجماعات انفصالية في آذربيجان كما وسعت من تعاونها السياسي والاقتصادي والثقافي مع حكومة ذلك البلد، وتقول إيران إن هذه السياسة شجعت جماعات انفصالية في إيران على العمل. ويمكن تقسيم الوجود الإسرائيلي في منطقة القوقاز إلى خمس دورات زمنية: امتدت الدورة الأولى من عام 1948 إلى عام 1985 وتميزت بوقوف المنطقة موقف الخصم مع إسرائيل تبعاً لمقتضيات الحرب الباردة والعلاقات الروسية الأميركية وكذلك العلاقات العربية - السوفياتية والصراع العربي - الإسرائيلي، ولم تكن لدول هذه المنطقة كونها كانت تابعة للسياسة المركزية للاتحاد السوفياتي أية علاقات مع إسرائيل. وفي تلك الفترة وقبل سقوط نظام الشاه كانت إيران هي مدخل إسرائيل للعبور والنفوذ إلى تلك المنطقة الإستراتيجية. واستطاعت إسرائيل بناء قواعد تجسس على ضفة بحر الخزر على الأراضي الإيرانية وبدأت في فترة مبكرة محاولات بناء علاقات مع شعوب تلك المنطقة. وشكلت المرحلة الثانية (1985-1991) نقطة تحول في تاريخ العلاقة ولعبت سياسة غورباتشوف دوراً مهماً في تسويق إسرائيل وتقديمها لدول المنطقة، وتبعاً لتحسن العلاقات بين موسكو واسرائيل كان الأمر ينسحب على العلاقات مع دول اخرى في مقدمها آذربيجان المحاذية لإيران والتي شهدت علاقاتها الثقافية والسياسية مع تل ابيب اتساعاً ملحوظاً. وشكل انهيار الإتحاد السوفياتي نقطة انطلاق للمرحلة الثالثة من العلاقة (1991- 2001) التي جاءت في مصلحة اسرائيل وتأثرت بعوامل عدة أهمها السعي الحثيث للدول المستقلة الى الخروج من الأزمة الإقتصادية التي خلفها الانهيار، ورافقت ذلك تداعيات أزمة ثقافية وسياسية وحال من الإحساس بفقدان الأمن من جانب روسيا والحاجة إلى رأس مال خارجي يساعد على وقف التدهور. وفي هذه الفترة كانت تركيا وإسرائيل تبحثان عن فرصة وجود ونفوذ تعزز من مكانتهما كحليف لواشنطن بعد أن اهتزت هذه المكانة بفعل انهيار الخصم الأول للولايات المتحدة، وكانت ساحة القوقاز الخالية هي الهدف والوسيلة، بخاصة مع ما تتمتع به من ثروات في مجال الطاقة من نفط وغاز. وتزامن ذلك مع قلق تركي وإسرائيلي من حضور ايراني وعربي في القوقاز أوجد تحالفاً بين الجانبين صب في مسار علاقتهما بالولايات المتحدة. ولعبت تركيا دوراً كبيراً في فتح الباب للنفوذ الإسرائيلي، بخاصة في أذربيجان التي ترتبط معها بعلاقات متشعبة تأتي اللغة في مقدمها. واستطاعت العديد من الشركات الإسرائيلية، بدعم وغطاء من الشركات التركية، أن تبدأ مشاريع ضخمة في القوقاز. ومع ذلك فإن سياسة المواجهة التي طغت على السطح بين تركيا وإسرائيل خلال الحرب على غزة لن تمر من دون تأثيرات على مصالح الجانبين في القوقاز بل ربما تشير إلى مواجهة غير معلنة بسبب تعارض المصالح فيها. وفي المرحلة الرابعة (2001-2008) دخلت اسرائيل على خط المواجهة مع الأصولية الإسلامية و «الحرب على الإرهاب» التي أعلنتها أميركا عقب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، ووصل النفوذ الإسرائيلي خلال هذه المرحلة إلى اوجه من خلال وجود أمني واسع، وكانت أذربيجان ساحة اسرائيل الرئيسية للوجود الأمني المغلف بغطاء اقتصادي وتجاري وثقافي، وكانت إيران هي المتضرر الأول من اتساع هذا الوجود. وتنشط في هذه الدولة الصغيرة العديد من المؤسسات الصهيونية إضافة الى مؤسسة مارشال والمنظمة الدولية لدعم الديموقراطية ومعهد الصلح والديموقراطية. وترتبط المرحلة الخامسة (2008 إلى اليوم) بتطورات الساحة السياسية الإسرائيلية وتقدم التيار اليميني المتطرف في إسرائيل، وتعاظم دور حزب «إسرائيل بيتنا» الذي تأسس على يد عدد كبير من المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفياتي السابق، وساهم ليبرمان المولود في مناطق القوقاز في تعزيز النفوذ الإسرائيلي، وتمكن الإشارة هنا إلى افتتاح مستشارية ثقافية إسرائيلية في باكو، وانشاء لجنة إسرائيلية أذربيجانية للعلاقات المشتركة وزيارة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرز للمنطقة يرافقه عدد كبير من الشخصيات الأمنية والاقتصادية، وتوقيع عدد من الإتفاقات التجارية والأمنية مع كازاخستان واذربيجان ومن أهمها نقل الغاز الآذري عبر جورجيا وتركيا إلى إسرائيل. وبيع الأسلحة والمعدات العسكرية.