عرض إلهام علييف الرئيس الاذربيجاني، خلال لقائه أمين عام حلف «ناتو»، منتصف الشهر الماضي في مقر الحلف في بروكسيل، المساعدة في حل الازمة الافغانية، على أمل الحصول على دعم عسكري في علاقة بلاده المتوترة مع ايران. وفي سياق التشدد حول الخطط النووية لايران، دعا عدد من الساسة في اذربيجان الى تعزيز العلاقات مع اسرائيل، والجهات الغربية، لا سيما في مجال الامن والدفاع. ولم يصدر أي تعليق رسمي في باكو، حول كيف تنوي اذربيجان الرد على تصاعد التوتر في شان القضية النووية الايرانية، لكن عدداً من الاعتقالات التي جرت في البلاد، تشير الى ان ادارة الرئيس إلهام علييف تقوم بالتصدي لمصادر النفوذ الايراني في اذربيجان. تجدر الاشارة ان العلاقات الاذربيجانية - الاسرائيلية، ليست بالجديدة، وتعتبر من أكبر الاختراقات لدولة في العالم الاسلامي، وتتطور في مجالات عديدة، من الاستثمار في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية الى الامدادات العسكرية، ومعدات النفط، وتتضح العلاقة الوثيقة بين البلدين، من المعلومات التي نشرتها صحيفة «تايمز» البريطانية في الحادي عشر من شباط (فبراير) الماضي، عن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) يقوم من أراضي أذربيجان بجمع المعلومات عن إيران. وقالت إيران أن عملاء «موساد» في أذربيجان يضعون الخطط لتصفية علماء الذرة الإيرانيين، ونفت أذربيجان هذه الاتهامات، ووصفتها بالكاذبة وبأنها مجرد افتراء وتشهير، وفي 21 من شباط الماضي انتهكت المروحيات الايرانية اجواء اذربيجان بالقرب من مدينة استارا الحدودية بحسب ما ذكرته وكالة «توران»، ما اعتبرته اذربيجان مبرراً لمواصلة التعاون مع اسرائيل. وذكر فوفا غول زادة المستشار الرئاسي السابق في السياسة الخارجية الاذربيجانية، ان مثل هذه الحوادث لا تجبر اذربيجان على النأي بنفسها عن اسرائيل، مشيراً الى ان على باكو ان تعمل مع القوى الغربية في حال حدوث أنشطة استخباراتية ايرانية تسبب ضرراً حقيقياً لأمن اذربيجان. ايران التي تربطها علاقات تاريخية وثقافية عميقة مع اذربيجان، يشتبه دوماً في محاولاتها اثارة المشاكل لباكو، سواء من خلال الاحتجاجات عن طريق المسلمين الشيعة، اوعن طريق اجراءات اكثر جدية، مثل محاولة الاغتيال الاخيرة للسفير الاسرائيلي في اذربيجان ميخيائيل لوتوما. ووفقاً لوجهة نظر غول زادة فان الضجة التي اثارتها طهران بعد التقرير الذي نشرته «تايمز»، يأتي في اطار الضغط على اذربيجان للحد من تعاونها مع اسرائيل، ويؤكد سهيل الدين اكبر مدير مركز التعاون الاطلسي في باكو على ضرورة تعزيز التعاون الاستخباراتي والامني مع الولاياتالمتحدة الاميركية ومع تركيا، مشيراً الى ان الاجهزة الامنية الاذربيجانية غير قادرة على وضع حد لأنشطة ايران. وقالت تقارير إعلامية اواخر شباط الماضي، إن أذربيجان تريد شراء طائرات تجسس من دون طيار وأسلحة مضادة للصواريخ والطائرات من إسرائيل، وقدرت وسائل الإعلام الإسرائيلية قيمة الصفقة المرتقبة ب1.6 بليون دولار أميركي. وقال مراسل صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية إنه بعد نشر المعلومات عن الصفقة المرتقبة، انطلقت الإشاعات التي تتحدث حول احتمال انضمام أذربيجان إلى تحالف دولي تقوم الولاياتالمتحدة وحلفاؤها بتشكيله لمحاربة إيران. وعبّر نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الأذربيجاني، أيدين ميرزا زاده، لوكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية عن شكوكه في صحة التقارير الإعلامية، مشيراً إلى أنه لا يرى داعياً لشراء الطائرات من دون طيار من البلدان الأخرى لأن أذربيجان تنتج هذه الطائرات بنفسها. وأضاف المسؤول البرلماني الأذربيجاني: « ليس هناك من داعٍ لقلق إيران بشأن التعاون العسكري الفني بين أذربيجان وإسرائيل إذ أن أذربيجان أعلنت أنها لن تسمح للبلدان الأخرى أن تستخدم أراضيها منطلقاً لضرب إيران». واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية، سفير أذربيجان لدى طهران وأعربت له عن احتجاجها على صفقة عقدتها باكو مع تل أبيب لشراء أسلحة إسرائيلية، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن طهران لن تسمح لإسرائيل أن تستخدم أراضي أذربيجان مسرحاً لتنفيذ «عمليات إرهابية» ضد الجمهورية الإسلامية. ولم ينف السفير الأذربيجاني جوانشير أخوندوف شراء الأسلحة الإسرائيلية، ولكنه أشار إلى أن بلاده تحصل على الأسلحة بهدف «تحرير أجزاء من الأراضي الأذربيجانية من الاحتلال» في إشارة إلى النزاع الأذربيجاني مع أرمينيا المجاورة على إقليم كارا باخ. واقترح بعض أعضاء مجلس النواب الأذربيجاني، خلال جلسة البرلمان اوائل شباط ، تغيير اسم الدولة من أذربيجان إلى أذربيجان الشمالية كما طالبوا بإجراء مراجعة قانونية لمعاهدات تاريخية منحت روسياوإيران الحالية سيطرة على مناطق يعتبرونها أذربيجانية. ويبدو أن أصواتاً بدأت تتعالى في أذربيجان للدخول على خط الحملة القوية التي تتعرض لها إيران حالياً، إذ طالب رئيس حزب الجبهة الشعبية لأذربيجان الموحدة المعارض قدرت حسن غولييف باجراء مراجعة قانونية لمعاهدتي غوليستان وتركمانشاي الموقعتين بين روسيا وبلاد فارس بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1813 و22 شباط 1828، انطلاقاً من أن أذربيجان خسرت مناطق واسعة ذهبت السيطرة فيها إلى كل من روسيا وبلاد فارس. وجاء اقتراح تعديل اسم الدولة بإضافة كلمة «شمالية» لتغدو جمهورية أذربيجان الشمالية، في نوع من الضغوط الإضافية المباشرة على طهران «لأن ثلثي أراضي أذربيجان (التاريخية ) يقع داخل حدود إيران الحالية»، وحظي هذا الاقتراح بتأييد عدة نواب، منهم النائب فرج غولييف، والنائب من الحزب الحاكم سيافوش نوروزوف. وأضاف نوروزوف أنه في العالم هناك العديد من الأمثلة المشابهة مثل كوريا الشمالية والجنوبية وقبرص الشمالية والجنوبية، وسيكون من المستحسن لو أن أذربيجان، كدولة مقسمة، تسمى أذربيجان الشمالية. ووقف النائب فزائيل اغامالي أيضاً موقفاً إيجابياً من اقتراح تغيير اسم الجمهورية. ودعا إلى إجراء استفتاء على إدخال تعديلات على المادة 11 من الدستور الأذربيجاني بأن أذربيجان تتألف من مناطق شمال وجنوب وغرب أذربيجان. وبحسب معاهدة غوليستان، في منطقة غوليستان (كاراباخ الحاليه)، بعد نهاية الحرب الروسية الفارسية (1804 - 1813)، اعترفت فارس بسيطرة روسيا على داغستان ومناطق قوقازية واسعة بينها أجزاء في أذربيجان. ثم جاءت بعد ذلك معاهدة تركمانشاي التي تم توقيعها في 22 شباط عام 1828، في منطقه تركمانشاي التاريخية بالقرب من تبريز الحالية، وتم التاكيد فيها على ما جاء في معاهدة غوليستان، وانسحبت روسيا من خانات ناخشيفان ويريفان. وتم اعتقال انار بيرامالي مراسل التلفزيون الايراني «سحر» في 17 شباط الماضي، بتهمة الحيازة غير المشروعة للمخدرات, ومقاومة السلطات، وبحسب شقيقه الذي نفى حيازته للمخدرات، انه استدعي خلال الاسابيع القليلة الماضية اكثر من مرة الى الاجهزة الامنية لاستيضاح آرائه السياسية. وأصدرت السفارة الايرانية في باكو بياناً، دانت فيه الاعتقال، وحذرت من ان ذلك قد يضر بالعلاقة مع طهران، لكن اذربيجان الواقعة بين ايران جنوباً وروسيا شمالاً وارمينيا المعادية في الغرب، يبدو انها تعلمت جيداً، ومنذ زمن طويل، كيف تحرك وبحذر أوراقها الديبلوماسية.