تشير كريستيانا بكر المذيعة الألمانية الشهيرة صاحبة كتاب "من قناة MTV إلى مكةالمكرمة" إلى أن الشهرة الإعلامية التي تحققت لها لم تمنحها السعادة، ولم تجد الراحة إلا في الإسلام، وأوضحت أن الإسلام سيكون الدين الشائع في أوروبا رغم اختلاف الأفكار، فالأوروبيون متعطشون إلي ما يلامس روحهم والإسلام يفعل ذلك. وقالت: “إنها تعرفت على مسلمين من عشاق الإنشاد الديني واستمعت إلي إنشادهم، وترجموا لها معاني ما يقولون، وكان هذا قبل اعتناقها الإسلام، فبدأت الأسئلة تلح عليها بعد أن لامست تلك الأناشيد قلبها وخاطبت روحها، وأعجبت بتلك القيم التي تضمنتها مثل المحبة في الله، والتعاون والإخلاص، واحترام الوالدين والزوج، واحترام الجسد والنفس، ومن وقتها عاهدت نفسها على المداومة علي تلك القيم”. وشددت كريستانا على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو سيد البشر بلا منازع، ويستحق أن نبذل أرواحنا للدفاع عنه، وأن المسلمين مقصرين في حق دينهم، وتتمنى أن تقوم بعمل برامج دعوية بلغات أوروبا المختلفة للوصول إلى عقل وقلب المواطن الغربي، مؤكدة أن هناك سلوكيات تركها المسلمون أنفسهم لدي الغرب بسبب سلوكيات خاطئة لا تمت للإسلام، وإنما ينسبها الغربيون للإسلام، وكذلك عندما يتم الخلط بين العادات والعبادات، ويتم التعامل معها علي أنها من أساس الدين، وهو ما أدى إلى وجود تضييق على المسلمين في كثير من البلدان الأوربية، خاصة فرنساوألمانيا، وإن كانت أقل حدة في بريطانيا. وفي الحوار التالي نتابع كثيرًا من إجاباتها؟ في البداية نود التعرف على كريستيان بكر من قريب؟ - أنا من مواليد مدينة هامبورج الألمانية، وكنت أعمل كمذيعة برامج موسيقية في العديد من القنوات الموسيقية في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية، وقد وفر لي هذا العمل كل ما يبحث عنه الإنسان في الغرب من شهرة ومال ومقابلة المشاهير في كافة المجالات. كان يجب أن أحيا حياة سعيدة، وألا أشعر بأي نقص في حياتي، فأنا امرأة جميلة وثرية ومشهورة فماذا أريد؟ رغم ذلك كنت أشعر كثيرًا أنني لست سعيدة، وأنني أفتقد المعنى الحقيقي للسعادة رغم انغماسي في الملذات الدنيوية. البحث عن الإسلام هل كان هذا الشعور هو السبب في بحثك عن الإسلام؟ - لعل ذلك أحد الأسباب الرئيسة؛ لأنني لم أكن أشعر بالراحة النفسية، لكن معرفتي الحقيقية بالإسلام جاءت بمحض الصدفة عندما تعرفت خلال عملي الفني في قناة" MTV” بلندن على شاب باكستاني مسلم يدعى عمران خان، وهو أحد أبطال رياضة الكريكيت، وكان يعيد دراسة حياته وسبر أغوار إيمانه من جديد؛ ولهذا التقت أفكارنا، فكل منا يسعي للبحث عن حقيقة الإيمان وبالصدفة البحتة عرفني عمران على الكتب التي كان يقرأها عن الإسلام، وبعد اطلاعي على بعض القراءات الإسلامية أدركت أن الإسلام هو طريق لا بد من السير فيه إذا كنا نريد أن نعيشه بشكل فعلي. أردت أن أتذوق الثمار الروحية للإسلام الذي وجدت فيه سعادتي الحقيقية، وقررت أن يصبح الإسلام كل حياتي، فجلبت سجادة صلاة، وبدأت أمارس شعائر الدين الإسلامي، وهداني الله إلى الطريق القويم بعد أن كنت غارقة في عملي كمقدمة للبرامج الموسيقية، وأهرع من عرض إلى آخر وأعمل من الصباح حتى المساء، وأجري مقابلات مع كثير من النجوم الكبار، ولكنني فجأة شعرت أن الذي أفتقده هو الحب، وأن لقائي بهذا الشاب المسلم جعلني أدرك ذلك. كنت أبحث بشكل لا شعوري عن حب الإله وعن الحب الخالص السامي، وكانت أول رحلة لي إلى مجتمع إسلامي هي باكستان، وأدركت خلال هذه الرحلة الدور الكبير الذي يلعبه الإيمان بالله في حياة الإنسان، وأن هذا الإيمان هو الذي دفع الناس هناك إلى إنجاز الكثير من الأعمال الخيرية، وعندما تساءلت بيني وبين نفسي عن سر ذلك اكتشفت أخيرًا أن هذا ينبع من الإيمان بالله، فبدأت بالتعمق في القراءة عن الدين الإسلامي، وأدركت أني كنت أحيا في غياهب الظلام وأن النور الحقيقي هو نور الإسلام. عشق الإنشاد الديني تحدثت عن الحب الإلهي هل معنى ذلك أنك أصبحت مغرمة بالإنشاد بعد اعتناقك للإسلام؟ - بالفعل حدث هذا إلى حد كبير، وربما ساعدني فيه أنني كنت أقدم برامج موسيقية قدر لي أن تعرفت على مسلمين من عشاق الإنشاد الديني، واستمعت إلي إنشادهم وترجموا لي معاني ما يقولون، وكان هذا الأمر قبل اعتناقي للإسلام، فبدأت في عقلي الأسئلة وبدأت الملاحظات والتأملات والمقارنات، خاصة أنني وجدت في هذا الإنشاد ما يلامس القلب ويخاطب الروح كالمحبة في الله والتعاون والإخلاص واحترام الوالدين والزوج واحترام الجسد والنفس، ومن وقتها عاهدت نفسي أن أحافظ علي هذه القيم التي يأمر بها هذا الدين، كما قرأت كتاب "الإسلام قدر الإنسان” الذي جاءني هدية وتعرفت علي مؤلفه بعد ذلك، وصار أستاذي وشيخي بل والدي وهو الشيخ حسن إيتون، وهذا هو اسمه بعد الإسلام وهو الكاتب البريطاني الدبلوماسي السابق جاي إيتون الذي أعلن إسلامه عام 1951م، وألَّف كتبا كثيرة منها "الإسلام وقدر الإنسان” الذي يعد نقطة تحول في حياة كثير من البريطانيين، بل إن تأثيره وصل إلي بلاط الملكة اليزابيث الثانية، التي وافقت علي تعديل جديد في قانون الخدمة داخل القصر الملكي، وسمحت للموظفين المسلمين بتأدية صلاة الجمعة في أوقات العمل الرسمية، وقد توفي أستاذي منذ شهور قليلة، وهو الذي قدمني للشيخ أبو بكر سراج الدين في إنجلترا، وظل شيخي أرجع إليه وأسأله وأفهم منه. الإسلام في أوربا كيف تنظرين إلى مستقبل الإسلام في أوربا في ظل الظروف الحالية؟ - أنظر بتفاؤل شديد بالنسبة لمستقبل الإسلام في أوروبا حتى لو تباين معتنقوه في المشارب، فقد يأخذ ذلك وقتًا ثم ينتهي؛ لأن الإسلام حقيقة واضحة كالشمس، كما أن الإسلام سيكون الدين الشائع في أوروبا رغم اختلاف الأفكار، فالأوروبيون متعطشون إلي ما يلامس روحهم والإسلام يفعل ذلك، والخوف الحالي من الإسلام في أوربا له أسبابه التي ستتلاشى قريبًا، وهذه الأسباب تكمن في وجود سوء فهم لطبيعة وتعاليم الإسلام في كثير من الدول الغربية، فضلًا عن التربص الإعلامي الغربي بالإسلام والمسلمين، ولذلك فأنا أطالب وسائل الإعلام الغربية بدلًا من التشدق بالمطالبة بالحوار والتفاعل أن يراجعوا أنفسهم وما يقدمونه فهذا ينشط الحوار، ويمهد له بشكل صحيح وفعال. وهل ساهم مسلمي الغرب في ترسيخ هذا الخوف المرضي من الإسلام من وجهة نظرك؟ - هذا صحيح فهناك انطباعات يتركها المسلمون أنفسهم لدي الغربيين بسبب سلوكيات خاطئة لا تمت للإسلام، وإنما ينسبها له الغربيون، وكذلك عندما يتم الخلط بين العادات والعبادات، ويتم التعامل معها علي أنها من أساس الدين، وهو ما أدى إلى وجود تضييق على المسلمين في كثير من البلدان الأوربية وخاصة فرنساوألمانيا وإن كانت أقل حدة في بريطانيا. تشجيع العرب والمسلمين بعد اعتناقك للإسلام كيف كانت ردود أفعال المسلمين تجاهك من ناحية، وغير المسلمين في الغرب من ناحية أخرى؟ لا أستطيع وصف حجم ردود الأفعال العربية والإسلامية على إسلامي؛ لأني كنت معروفة لدى الكثيرين كوجه إعلامي، فقد وجدت الكثير من العرب والمسلمين يتواصلون معي، ويؤيدونني بل ويعرضون على المساعدة في أي أمر أطلبه، حيث وجدت الكثير من العرب والمسلمين يتواصلون معي عبر الفيس بوك، ولا أنسي أبدًا ردود أفعال كثير من الشباب والمواطنين من المملكة شباب ونساء من كل الأعمار، ليس هذا فحسب بل إنني تلقيت دعوات لتأدية فريضتي الحج والعمرة على نفقة الكثيرين، لدرجة أنني بكيت كثيرًا من حجم الإطراء الذي جاءني، مما شجعني كثيرًا للتفاعل أكثر مع الحياة والثقافة العربية، وهو ما جعلني أقدم على القراءة في الثقافة العربية والإسلامية التي ظلمت كثيرًا في الغرب؛ بسبب وسائل الإعلام التي تأخذ موقفًا متحيزًا ضد الإسلام والمسلمين، وللأسف الشديد فإن العنف الذي تمارسه بعض الجماعات الإسلامية هو الذي يعطي تلك الصور السلبية عن الإسلام في المجتمعات الغربية، مع أن العنف محرم في الإسلام شأنه شأن الديانات الأخرى، والقرآن الكريم ينبه إلى أن من يقتل نفسًا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعًا، وهذا في حد ذاته ينفي أي تهمة يمكن أن يوصف بها الإسلام كالإرهاب مثلًا، وللأسف تفتقد المجتمعات الغربية الأصوات التي تدعو إلى سماحة الدين الإسلامي الذي هو في الأصل رسالة سلام، فقد أوقع هذا الفهم الخاطئ المسلمين في ألمانيا وفي أوروبا في دائرة الشك، وأصبحت تلك الشكوك تزيد من معاناتهم وتقوقعهم، ولقد كان هذا هو أحد الأسباب التي دفعتني بقوة إلى مشروع كتابي، وبعد نجاحه شعرت أن دوري تزايد خاصة، وأنا أتلقى الكثير من الدعوات لإلقاء المحاضرات، وأجدها فرصة لطمأنة المستمعين والتخفيف من ظاهرة الإسلامفوبيا التي تجتاح أوروبا. النظرة الأوروبية للإسلام وماذا عن ردود الأفعال الغربية حيال اعتناقك الإسلام؟ - رغم التحولات الهائلة التي شهدها العالم سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا إلا أن النظرة الأوروبية للإسلام ما زالت متأثرة إلى حد بعيد بالماضي، وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالمخزون الزمني للشعور الأوروبي، حيث ظلت مشاعر العداء تستقر في النفسية الأوروبية، وتتحكم في القرارات السياسية المتعلقة بشؤون المسلمين، بل إنها ورغم كل التطورات التي حدثت في العالم ما تزال تصمم مواقفها على أساس العقدة من الإسلام حتى وإن كان الموقف يتعلق بالأوروبيين أنفسهم كما هو واضح في انحياز الموقف الأوروبي للصرب المسيحيين ضد المسلمين الأوربيين؛ لأنها تريد أوروبا للمسيحيين، رغم تعرضي للكثير من المشكلات عقب إسلامي إلا أنني وجدت أيضًا ردود أفعال إيجابية، فكثير من الفضائيات الأوروبية حرصت على لقائي، والحقيقة أنها عرضت وجهة نظري بقدر كبير من الحيادية. الشغف بالسيرة النبوية ما هي أكثر الأمور التي شغلتك ذهنيًا بعد اعتناقك للإسلام؟ - منذ اعتنقت الإسلام عام 1995م وأنا أقرأ في السيرة النبوية العطرة، فقد شدتني للغاية سيرة النبي وأخلاقياته، والحقيقة أن شغفي بالإسلام جعلني ألتهم كل ما أقابله من كتب حول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأستطيع أن أقول وبصدق: “إن محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هو سيد العالمين، فما فعله ما زال يلقي بظلاله إلى هذه الفترة، وما زال يعيش مع الأجيال المتعاقبة، فمحمد رسول الله لا يزال حيًا بما تركه في هذه الحياة، وبفضل المعروف الذي قدمه للإنسان ولبني البشر عمومًا، فمن خلال إيماني بالله واطلاعي على تراث الإسلام ومصادره الحقيقية أدركت أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عظيم، وحرصت عقب إسلامي أن أزور المعارض والمتاحف الإسلامية، حيث أحببت الفنون الإسلامية بشكل كبير، واقتنيت الكثير من الرسوم والآيات القرآنية المكتوبة بخط جميل. أحب الزخارف الإسلامية كثيرًا، وكذلك أحببت زيارة الدول العربية، ومن أهم الدول التي قمت بزيارتها مصر والسعودية؛ حيث أديت فيها فريضة الحج مرتين، وأود أن أزور الأردن ولبنان ودول الخليج، وأرغب بشدة في تقديم برنامج في إحدى القنوات الناطقة باللغة الإنجليزية في منطقة الخليج؛ خاصة وأن هناك نهضة ثقافية كبيرة تشهدها دول: الكويت الإمارات العربية وقطر في مجال الإعلام المرئي والمكتوب. كذلك أحب الموسيقى المرتبطة بالإنشاد الديني بشكل كبير، وهذا النوع من الموسيقى والغناء يجعلني أبكي. حتى الأكلات الشرقية أصبحت أتقن عملها. خدمة الإسلام هل لديك في الوقت الحالي طموح لخدمة الإسلام في الغرب انطلاقًا من عملك ومكانتك؟ - أتمنى أن أكون كذلك، وأن أقوم بتقديم برامج تشرح حقيقة الإسلام باللغات الأجنبية؛ حتى نتواصل مع شعوب العالم التي تحمل وجهة نظر سلبية عن الإسلام بسبب تحيز وسائل الإعلام الغربية ضد كل ما هو إسلامي، فأنا أريد الاستفادة من خبراتي بتقديم برامج تلفزيونية يشارك فيها أشخاص ذوو أفكار عميقة، فهناك كمٌ هائل من البرامج السطحية، وأود أن أقدم برامج تساهم في بناء جسور التفاهم، وأتمنى أن أنجح في جعل الناس في ألمانيا بشكلٍ خاص، وفي أوروبا بشكل عام يفهمون الإسلام بشكل أفضل. معظم الناس يعتقدون أن الإسلام أجحف حق المرأة.